للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= والزهري أحفظ أهل زمانه، حتَّى يقال: إنه لا يعرف له غلط في حديث ولا نسيان، مع أنه لم يكن في زمانه أكثر حديثاً منه، ويقال: إنه حفظ على الأمة تسعين سنة، لم يأت بها غيره، وقد كتب عنه سليمان بن عبد الملك كتاباً من حفظه، ثم استعاده منه بعد عام، فلم يخط منه حرفاً، فلو لم يكن في الحديث إلَّا نسيان الزُّهريّ أو معمر، لكان نسبة النسيان إلى معمر أولى باتفاق أهل العلم بالرجال، مع كثرة الدلائل على نسيان معمر، وقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن معمراً كثير الغلط على الزُّهريّ. قال الإمام أحمد - رضي الله عنه - فيما حديثه به محمد بن جعفر غندر، عن معمر، عن الزُّهريّ، عن سالم، عن أبيه: أن غيلان بن سلمة أسلم وتحته ثماني نسوة. فقال أحمد: هكذا حدّث به معمر بالبصرة، وحدثهم بالبصرة من حفظه، وحدث به باليمن عن الزُّهريّ بالاستقامة. وقال أبو حاتم الرازي: ما حدّث به معمر بن راشد بالبصرة ففيه أغاليط، وهو صالح الحديث، وأكثر الرواة الذين رووا هذا الحديث عن معمر، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، هم البصريون، كعبد الواحد ابن زياد، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى الشَّاميُّ، والاضطراب في المتن ظاهر؛ فإن هذا يقول: "إن كان ذائباً أو مائعاً لم يؤكل"، وهذا يقول: "وإن كان مائعاً فلا تنتفعوا به، واستصبحوا به"، وهذا يقول: "فلا تقربوه"، وهذا يقول: "فأمر بها أن تؤخذ وما حولها فتطرح"، فأطلق الجواب ولم يذكر التفصيل. وهذا يبين أنه لم يروه من كتاب بلفظ مضبوط، وإنما رواه بحسب ما ظنه من المعنى فغلط، وبتقدير صحة هذا اللفظ وهو قوله: "وإن كان مائعاً فلا تقربوه"، فإنما يدل على نجاسة القليل الذي وقعت فيه النجاسة، كالسمن المسؤول عنه، فإنّه من المعلوم أنه لم يكن عند السائل سمن فوق قلتين يقع فيه فأرة، حتَّى يقال فيه: ترك الاستفصال في حكاية الحال، مع قيام الاحتمال، ينزل منزلة العموم في المقال، بل السمن الذي يكون عند أهل المدينة في أوعيتهم يكون في الغالب قليلاً، فلو صحّ الحديث لم يدل إلَّا على نجاسة القليل؛ فإن المائعات الكثيرة إذا وقعت فيها نجاسة فلا يدل على نجاستها لا نص صحيح ولا ضعيف ولا إجماع ولا قياس صحيح.
وعمدة من ينجسه، يظن أن النجاسة إذا وقعت في ماء أو مائع سرت فيه كله =

<<  <   >  >>