للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الرجل والمرأتين في كل دعوى إذ قد شملهم اسم البينة. ألا ترى أنها بينة في الأموال، فلما وقع عليها الاسم وجب بحق العموم قبولها لكل مدّعٍ إلاّ أن تقوم الدلالة على تخصيص شيءٍ منه، وإنما خصصنا الحدود والقصاص، لما روى الزهريّ قال: مضت السَّنة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخليفتين من بعده: أن لا تجوز شهادة النساء في الحدود، ولا في القصاص. وأيضًا: لما اتفق الجميع على قبول شهادتهن مع الرجل في الديون وجب قبولها في كل حق لا تسقطه الشبهة إذا كان الدين حقًا، لا يسقط بالشبهة. ومما يدل على جوازها في غير الأموال من الآية: أن الله تعالى قد أجازها في الأجل بقوله: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: ٢٨٢] ثم قال: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: ٢٨٢] فأجاز شهادتها مع الرجل على الأجل وليس بمالٍ كما أجازها في المال. فإن قيل: الأجل لا يجب إلاّ في المال قيل له: هذا خطأ؛ لأن الأجل قد يجب في الكفالة بالنفس وفي منافع الأحرار التي ليست بمالٍ. وقد يؤجله الحاكم في إقامة البينة على الدم وعلى دعوى العفو منه بمقدار ما يمكن التقدم إليه. فقولك: إن الأجل لا يجب إلا في المال خطأ ومع ذلك: فالبضع لا يستحق إلَّا بمال، ولا يقع النكاح إلا بمال. فينبغي أن تجيز فيه شهادة النساء قوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢]. قال أبو بكر: لما كانت معرفة ديانات الناس وأماناتهم وعدالتهم إنما هي من طريق الظاهر دون الحقيقة إذ لا يعلم ضمائرهم ولا خبايا أمورهم غير الله تعالى، ثم قال الله تعالى فيما أمرنا باعتباره من أمر الشهود: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢] دل ذلك: على أن أمر تعديل الشهود موكولاً إلى اجتهاد رأينا، وما يغلب في ظنوننا من عدالتهم وصلاح طرائقهم. وجائزٌ أن يغلب في ظن بعض الناس عدالة شاهدٍ وأمانته فيكون عنه رضى ويغلب في ظن غيره أنه ليس يرضى فقوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢] مبني على غالب الظن، وأكثر الرأي والذي بني عليه أمر الشهادة أشياء ثلاثة: أحدها: العدالة. والآخر: نفي التهمة وإن كان عدلاً. والثالث: التيقظ والحفظ وقلة الغفلة. أما العدالة: فأصلها الإيمان واجتناب الكبائر، ومراعاة حقوق الله - عز وجل - في الواجبات والمسنونات، وصدق اللهجة والأمانة. وأن لا يكون محدودًا في قذفٍ. وأما نفي التهمة فأن لا يكون المشهود له والدًا=

<<  <   >  >>