للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الناس، ولا تلتمس من الشاهدين تزكية، وإنما كان الوالي يقول للخصم: إن كان عندك من يجرح شهادتهم فأت به وإلا أجزنا شهادته عليك. وقال الشافعي: يسأل عنهم في السر، فإذا عدل سأل عن تعديله علانيةً، ليعلم أن المعدل هو هذا لا يوافق اسم اسمًا، ولا نسب نسبًا. قال أبو بكر: ومن قال من السلف بتعديل من ظهر إسلامه، فإنما بنى ذلك على ما كانت عليه أحوال الناس من ظهور العدالة في العامة، وقلة الفساق فيهم؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد شهد بالخير والصلاح للقرن الأول والثاني والثالث. حدثنا عبد الرحمن بن سيما قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم - ثلاث أو أربع -، ثم يجيء قومٌ سبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته". قال: وكان أصحابنا يضريوننا على الشهادة والعهد، ونحن صبيان. وإنما حمل السلف ومن قال من فقهاء الأمصار مما وصفنا أمر المسلمين في عصرهم على العدالة وجواز الشهادة لظهور العدالة فيهم، وإن كان فيهم صاحب ريبةٍ وفسق كان يظهر النكير عليه، ويتبين أمره وأبو حنيفة كان في القرن الثالث الذين شهد لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخير والصلاح فتكلم على ما كانت الحال عليه. وأما لو شهد أحوال الناس بعد لقال يقول الآخرين في المسألة عن الشهود، ولما حكم لأحدٍ منهم بالعدالة إلَّا بعد المسألة. وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال للأعرابي الذي شهد على رؤية الهلال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله. قال: نعم. فأمر الناس بالصيام بخبره ولم يسأل عن عدالته بعد ظهور إسلامه لما وصفنا، مثبت بما وصفنا: أن أمر التعديل وتزكية الشهود وكونهم مرضيين مبنيٌّ على اجتهاد الرأي، وغالب الظن، لاستحالة إحاطة علومنا بغيب أمور الناس. وقد حذرنا الله الاغترار بظاهر حال الإنسان والركون إلى قوله: مما يدعيه لنفسه من الصلاح والأمانة. فقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [البقرة: ٢٠٤] الآية. ثم أخبر عن مغيب أمره وحقيقة حاله فقال: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا} [البقرة: ٢٠٥] الآية. فأعلمنا ذلك من حال بعض من يعجب ظاهر قوله. وقال أيضًا في صفة قومٍ آخرين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} [المنافقون: ٤] الآية. فحذر=

<<  <   >  >>