للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال المصنف: واتفق العلماء على تعليق الشّرط بالجميع في نحو: لا تصحب زيدا ولا تزره، ولا تكلّمه إن ظلمني، واختلف في الاستثناء في نحو: لا تصحبه ولا تزره ولا تكلمه إلّا تائبا من الظّلم؛ فذهب مالك والشافعيّ إلى تساوي الاستثناء والشرط في التعليق بالجميع (١)، وهو الصحيح؛ للإجماع على سدّ كلّ منهما مسدّ الآخر في نحو: اقتل الكافر إن لم يسلم، واقتله إلّا أن يسلم (٢). انتهى كلامه.

وهذه المسألة - أعني التي يتعدّد فيها الاستثناء حملا - قد تكلّم عليها في أصول الفقه، وانتهت الأقوال إلى ستة؛ منها: القولان المشهوران: أحدهما: رجوع الاستثناء إلى الجميع، وهو رأي الشافعي. والثاني: رجوعه إلى الجملة الأخيرة وهو رأي أبي حنيفة، وقيّد الأصوليّون الجمل بكونها معطوفة بالواو، ولم يتعرّض المصنف له وقيّد المصنف المعمول بكونه واحدا في المعنى، ولم يجعل أصحاب الأصول ذلك قيدا إلّا رأي منسوب لأبي الحسين في تفصيل نقلوه عنه في المسألة المذكورة وقد فرّق الأصوليون بين الاستثناء والشرط، بأنّ الشرط مقدّر التقديم، وإذا قدّر تقديمه انسحب حكمه على المذكور بعد، بخلاف الاستثناء، فلا يلزم عوده إلى جميع ما تقدّم، ونقل الشيخ عن المهاباذيّ (٣)، أنّه قال في شرح اللمع له:

إذا استثني من جمل مختلفة لم يكن المستثنى إلّا من الجملة التي تليه، نحو قوله تعالى: وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا (٤) فالّذين تابوا مستثنى من الفاسقين، لا غير. وحمله على أنّه مستثنى من جميع الكلام خطأ ظاهر؛ لأنّه لا يجوز أن يكون معمولا لعاملين [٣/ ٤٤] مختلفين، ويستحيل ذلك، ولأنّك لو حملته على أنّه مستثنى من جميع ما قبله لصار تقدير الكلام: فاجلدوهم ثمانين جلدة إلا الذين تابوا ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا إلا الذين تابوا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا (٥). -


- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ، فَاجْلِدُوهُمْ، وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً، وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ.
(١) مذهب أبي حنيفة أن الاستثناء راجع إلى الجملة الأخيرة فقط. ينظر: أصول السرخسي (٢/ ٤٤، ٤٥).
(٢) ينظر: شرح التسهيل لابن مالك (٢/ ٢٩٥).
(٣) هو أحمد بن عبد الله المهاباذي الضرير من تلاميذ عبد القاهر الجرجاني. ينظر: البغية (ص ١٣٨).
(٤) سورة النور: ٤، ٥.
(٥) ينظر: التذييل والتكميل (٣/ ٥٨٥)، والارتشاف (٢/ ٣١٠)، والبحر المحيط (٦/ ٤٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>