للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وكيف لا وهذا الذي جعله البصريون دليل الجواب هو نفس الجواب ضد الكوفيين ومن وافقهم من البصريين؟ وإذا كان الأمر كذلك كان كل من الشرطين في حكم مذكور الجواب لذكر ما هو دليل عليه، فيكون كل منهما كأنه قد ذكر جوابه، وتقدير الجواب محذوفا لم يكن للاحتياج إليه للاستغناء عنه بذكر ما دلّ عليه قبل الشرط، بل إنما هو من أجل الصناعة النحوية، لأنه قد تقرر أن الشرط لا بد له من جواب، وأن الجواب شأنه أن يذكر بعد الشرط، وإذا كان كذلك لم تكن الآية الشريفة وهي قوله تعالى: وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ (١) من قبيل ما نحن فيه، لأن الكلام الآن إنما هو في كلام توالى فيه شرطان وليس معهما مذكور إلا جواب واحد، وأن الاستغناء يحصل بذلك الجواب عن جواب الآخر ولا شك أن [الأمر في] الآية الشريفة ليس كذلك.

وبعد فمسألة اعتراض الشرط على الشرط مهمة ومحتاج إليها في مسائل فقهية فلنذكرها الآن والمذاهب فيهما من رأس فنقول:

نقل عن بعض النحاة منع هذا التركيب - أعني أن يعترض شرط على شرط - لكن الجمهور مطبقون على صحته، ولا شك في وروده في كلام العرب فيجب الاعتراض به، وقد عرفت أن مذهب النحاة أن الجواب يكون للشرط الأول وأن جواب الشرط الثاني محذوف لدلالة الشرط الأول وجوابه عليه، وكذا جواب الشرط الثالث محذوف لدلالة الشرط الثاني وجوابه عليه، فإذا كان الشرط الأول وجوابه دالّا على جواب الشرط الثاني، والشرط الثاني وجوابه دالّا على جواب الشرط الثالث كان كل منهما جوابا من حيث المعنى لأنه قد دل على الجواب وأغنى عنه فكأنه هو في المعنى، واستدل على أن الشرط وجوابه يدلان على جواب الشرط بقوله تعالى: يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٢) لأن التقدير: إن كنتم مسلمين فإن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا، فحذف الجواب لدلالة ما تقدم عليه، ولا شك أنه إذا كان الأمر كذلك يلزم فيما علّق على شرط اعترض عليه شرط آخر أن يكون الشرط الثاني يقع في الوجود قبل الشرط الأول، لأن الأول قد تقرر فيه أنه قائم مقام الجواب، والجواب لا بد من تأخره عن الشرط لأنه مسبب -


(١) سورة هود: ٣٤.
(٢) سورة يونس: ٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>