للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صريح في ضد ذلك.

وهذه شبهة ألقاها الشيطان على كثير ممن يدعي العلم، وصار بها أكثرهم، فظنوا أن النظر في الأدلة أمر صعب لا يقدر عليه إلا المجتهد المطلق، وأن من نظر في الدليل، وخالف إمامه لمخالفة قوله لذلك الدليل فقد خرج عن التقليد، ونسب نفسه إلى الاجتهاد المطلق.

واستقرت هذه الشبهة في قلوب كثير، حتى آل الأمر بهم إلى أن {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} ١. وزعموا أن هذا هو الواجب عليهم، وأن من انتسب إلى مذهب إمام فعليه أن يأخذ بعزائمه ورخصه، وإن خالف نص كتاب أو سنة؛ فصار إمام المذهب عند أهل مذهبه كالنبي في أمته، لا يجوز الخروج عن قوله، ولا تجوز مخالفته.

[التعصب للمذهب]

فلو رأوا أحدا من المقلدين قد خالف مذهبه، وقلد إماما آخر في مسألة لأجل الدليل الذي استدل به، قالوا: هذا قد نسب نفسه إلى الاجتهاد، ونزل نفسه منزلة الأئمة المجتهدين، وإن كان لم يخرج عن التقليد، وإنما قلد إماما دون إمام آخر لأجل الدليل، وعمل بقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} ٢.

فالمتعصبون للمذاهب إذا وجدوا دليلا ردوه إلى نص إمامهم، فإن وافق الدليل نص الإمام قبلوه، وإن خالفه ردوه واتبعوا نص الإمام.

واحتالوا في رد الأحاديث بكل حيلة يهتدون إليها، فإذا قيل: هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أنت أعلم بالحديث من الإمام الفلاني؟

مثال ذلك: إذا حكمنا بطهارة بول ما يؤكل لحمه، وحكم الشافعي بنجاسته، وقلنا له: قد دل على طهارته حديث العرنيين، وهو حديث صحيح، وكذلك حديث أنس في الصلاة في مرابض الغنم، فقال هذا المنجس لأبوال مأكول


١ سورة المؤمنون آية: ٥٣.
٢ سورة النساء آية: ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>