للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكرهما هذان الإمامان في عصر تابعي التابعين من أحسن الأجوبة.

أما الزبيدي فقال ما تقدم؛ وذلك لأن الجبر في اللغة: إلزام الإنسان بغير رضاه، كما يقول الفقهاء: هل تجبر المرأة على النكاح أم لا؟ وإذا عضلها الولي ماذا تصنع؟ فقال: الله أعظم من أن يجبر، أو يعضل؛ لأن الله قادر على أن يجعل العبد مختارا راضيا لما يفعله، مبغضا تاركا لما يتركه، فلا جبر على أفعاله الاختيارية، ولا عضل عما يتركه لكراهته أو عدم إرادته. وروي عن سفيان الثوري -رحمه الله تعالى- أنه أنكر جَبَرَ، وقال: الله -سبحانه- جَبَلَ العباد. وقال الراوي عنه: أراد قوله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: "بل جبلت عليهما"١، فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله. يعني الحلم والإناءة.

وقال المروزي للإمام أحمد: إن رجلا يقول: إن الله جبر العباد، فقال: لا نقول هكذا، وأنكر هذا، وقال: {يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ٢.

[عقيدة المعتزلة]

وأما المعتزلة: فهم الذين يقولون بالمنزلة بين المنزلتين، يعنون أن مرتكب الكبيرة يصير في منزلته بين الكفر والإسلام، فليس هو بمسلم ولا كافر. ويقولون: إنه يخلد في النار، ومن دخل النار لم يخرج منها بشفاعة، ولا غيرها. وأول من اشتهر عنه ذلك عمرو بن عبيد، وكان هو وأصحابه يجلسون معتزلين الجماعة، فيقول قتادة وغيره: أولئك المعتزلة؛ وهم كانوا بالبصرة بعد موت الحسن البصري. وضَم المعتزلة إلى ذلك التكذيب بالقدر، ثم ضموا إلى ذلك نفي الصفات، فيثبيتون الاسم دون الصفة، فيقولون: عليم بلا علم، سميع بلا سمع، بصير بلا بصر، وهكذا سائر الصفات؛ فهم قدرية جهمية، وامتازوا بالمنزلة بين المنزلتين، وخلود عصاة الموحدين في النار.


١ ابن ماجه: الزهد (٤١٨٧).
٢ سورة المدثر آية: ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>