للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمعطوف غير المعطوف عليه، فهو يقول: إن لم يحصل منك إنقاذ بالفعل، فانزل إلى مرتبة الشفاعة، وحاشاك أن تُخَيِّبَ رجائي فيك. وقد أبطل -سبحانه- هذين الأمرين الذين تعلق بهما المشركون، كما في قوله: {مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ} ١، فالولي هو: الناصر المعين بالقول، وهذا كثير في القرآن، يقرر أنه لا ولي من دونه، ولا شفيع من دونه.

وأما قوله:

فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم

فجعل الدنيا والآخرة من عطاء النبي وأفضاله، والجود هو: العطاء والإفضال.

فمعنى الكلام: أن الدنيا والآخرة له صلى الله عليه وسلم والله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى} ٢ {فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأُولَى} ٣، وأيّ غلو أكبر من هذا؟!

وكذا قوله:

... ... ... ... ... ... ... ..... ومن علومك علم اللوح والقلم فجعل ما جرى بالقلم السابق في اللوح المحفوظ بعض علوم محمد صلى الله عليه وسلم، والله -سبحانه- يقول: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} ٤.

ومقتضى قوله، بل صريح قوله: ومن علومك علم اللوح والقلم، أنه يجوز أن يقال: ومحمد يعلم ذلك، وأنه يجوز أن يقال: مفاتح الغيب لا يعلمها إلا الله ومحمد، وقال -سبحانه-: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} ٥، فيجوز عند الناظم أن يقال: لا يعلم مَن في السموات والأرض الغيبَ إلا اللهُ ومحمدٌ صلى الله عليه وسلم وهذا صريح كلامه، وإن تأوله بعض المتعصبين بتأويلات بعيدة لا يحتملها اللفظ.

وقد قال -سبحانه- لنبيه: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ


١ سورة السجدة آية: ٤.
٢ سورة الليل آية: ١٣.
٣ سورة النجم آية: ٢٥.
٤ سورة الأنعام آية: ٥٩.
٥ سورة النمل آية: ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>