للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا تعظيم، ونفوا الحكمة لظنهم أنها تستلزم الحاجة.

(الثاني) قول المعتزلة ومن وافقهم: وهو أنه -تعالى- يخلق ويأمر لحكمة تعود إلى العباد، وهي نفعهم والإحسان إليهم، فلم يخلق ولم يأمر إلا لذلك، لكن قالوا بأنه يخلق من يتضرر بالخلق، فتناقضوا بذلك. ثم افترقوا على قولين: من أنكر القدر، ووضع لربه شرعا بالتجويز والتعديل، وهذا هو قول القدرية، ومنهم من أقر بالقدر، وقال: حكمته حقت علينا، وهذا قول ابن عقيل وغيره من المثبتين للقدر، فهم يوافقون المعتزلة على إثبات الحكم، وأنها ترجع إلى المخلوق، ويقرون بالقدر.

(الثالث): قول من أثبت حكمة تعود إلى الرب، لكن بحسب علمه فقال: خلقهم ليعبدوه ويحمدوه. فمن وجد منه ذلك فهو مخلوق له وهم المؤمنون، ومن لم يوجد منه ذلك فليس بمخلوق له. وهذه حكمة مقصودة، وهي واقعة، بخلاف الحكمة التي أثبتتها المعتزلة، فإنهم أثبتوا حكمة هي نفع العباد؛ ثم قالوا: خلق من علم أنه لا ينتفع بالخلق، بل يتضرر، فتناقضوا كما تقدم. ونحن أثبتنا حكمة علم أنها تقع فوقعت، وقد يخلق من يتضرر بالخلق لنفع الآخرين، وفعل الشر القليل لأجل الخير الكثير حكمة، كإنزال المطر لأجل نفع العباد، وإن تضرر البعض. قالوا: وفي خلق الكفار وتعذيبهم اعتبار للمؤمنين، وجهادهم ومصالحهم، وهذا اختيار القاضي أبي حازم ابن القاضي أبي يعلى، قالوا: فقوله -تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ١ هو مخصوص بمن وقعت منه العبادة. وهذا قول طائفة من السلف والخلف، وهو قول الكرامية. وعن سعيد بن المسيب في معنى الآية قال: ما خلقت من يعبدني إلا ليعبدني، كذلك قال الضحاك والفراء وابن قتيبة، هذا خاص بأهل طاعته. قال الضحاك: هي للمؤمنين. وهذا اختيار أبي بكر بن


١ سورة الذاريات آية: ٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>