للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعجزهم وضعفهم وقصور علمهم، فأما القادر على كل شيء، الغني بذاته عن كل شيء، العالم بكل شيء، الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، فإدخال الوسائط بينه وبين خلقه تنقيص لحق ربوبيته وإلهيته وتوحيده، وظن به ظن السوء، وهذا يستحيل أن يشرعه لعباده، ويمتنع في العقول والفطر، وقبحه مستقر في العقول السليمة فوق كل قبح. انتهى.

[حقيقة الإخلاص كمال المحبة]

إذا عرفت هذا فصلاح العبد وفلاحه، وسعادته ونجاته، وسروره ونعيمه، في إفراد الله بهذه العبادات، والإنابة إليه بما شرعه لعباده منها، وأصلها كمال المحبة وكمال الذل والخضوع كما تقدم. هذا سر العبادات وروحها، ولا بد في عبادة الله من كمال الحب وكمال الخضوع، فأحب خلق الله إليه، وأقربهم منزلة عنده، من قام بهذه المحبة والعبودية، وأثنى عليه -سبحانه- بذكر أوصافه العلى، فمن أجل ذلك كان الشرك أبغض الأشياء إليه لأنه ينتقص هذه المحبة والخضوع والإنابة والتعظيم، ويجعل ذلك بينه وبين من أشرك به، والله: {لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} ١ لأنه يتضمن التسوية بينه -تعالى- وبين غيره في المحبة والتعظيم، وغير ذلك من أنواع العبادة.

قال -تعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا} ٢: أخبر -سبحانه- أن من أحب شيئا دون الله كما يحب الله، فقد اتخذه ندا، وهذا معنى قول المشركين لمعبوداتهم: {إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ٣، فهذه تسوية في المحبة والتأله، لا في الذات والأفعال والصفات؛ فمن صرف ذلك لغير آلهة الحق فقد أعرض عنه، وأبق عن مالكه وسيده، فاستحق مقته وبغضه، وطرده عن دار كرامته ومنزل أحبابه.


١ سورة النساء آية: ٤٨.
٢ سورة البقرة آية: ١٦٥.
٣ سورة الشعراء آية: ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>