للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم تعطيل الصفات]

وعرشه فوق سماواته، قلت: فإن قال: إنه على العرش استوى، ولكن لا أدري العرش في السماء أم في الأرض، فهو كافر، لأنه أنكر أن يكون الله في السماء، لأنه -تعالى- في أعلى عليين، وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل. وهذا يدل على أن من آمن بنفس اللفظ، ونفى ما يدل عليه من العلو، فهو كافر عنده، وغيره من الأئمة لا يخالفه، وقال مالك -رحمه الله-: الله في السماء، وعلمه بكل مكان. وقد بسط اللالكائي -رحمه الله- أقوال الأئمة من السلف ومن بعدهم على تكفير هذا الضرب من الناس. وقد حبس هشام بن عبد الله الرازي -قاضي الري- رجلا في التجهم، فأظهر التوبة، فأحضر عنده، فقال: الحمد لله على التوبة، فقال هشام: اشهد أن الله على عرشه بائن من خلقه، فقال: أشهد أن الله على عرشه، ولا أدري ما بائن من خلقه، فقال: ردوه فإنه لم يتب. وذكر الحكم بإسناد صحيح عن محمد بن إسحاق بن خزيمة -رحمه الله- أنه قال: من لم يقل: إن الله فوق سماواته على عرشه، بائن من خلقه، وجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، ثم يلقى في مزبلة لئلا يتأذى بنتن ريحه أهل القبلة وأهل الذمة. وبهذا تعلم أن التفويض عند السلف إنما هو في العلم بالكيفية لا فيما دلت عليه النصوص من إثبات صفات الكمال كالعلو والارتفاع والفوقية، فإن هذا لا بد من اعتقاده والإيمان به. وقال ابن أبي زيد القيرواني في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ١ أي بذاته، وقد أنكر عليه من لا علم له، ولا اطلاع على مذهب السلف والأئمة المقلدين -رضي الله عنهم أجمعين- وخبط في هذا المقام بما لا طائل تحته من فضول الكلام الدال على فساد القصد، وعدم رسوخ الأفهام، فنعوذ بالله من معرة الجهل والأوهام، ونستجير به من مزلة الأقدام.


١ سورة طه آية: ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>