للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قولك: وإذا كان الخمر يزيل العقل عند شربه، فهي شاهدناها تخامر العقل عند فقدها، فهذا الكلام لا ينبغي أن يقال؛ لأن الخمر تزيل العقل بمخامرته أي: تغطيته وهي لا تزيل العقل ولا تخامره، بل ربما كان شاربها قوي الذهن حاد الإدراك جيد الحافظة، والموجود عند فقدها لا يسمى مخامرة وإنما كسل وفتور لها لا بها ١. فافهم -أيها الأخ- وأعط القوس باريها.

[تفنيد الأدلة بتحريم القهوة]

وأما قولك: وإذا عرضت مضارها على العاقل منهم شهد بها وعابها فيقال: أي عاقل يراد بهذا؟ أما العامة ومن لا عناية له بمعرفة الأحكام الشرعية والأصول الدينية، فعقولهم لا تصلح أن تكون ميزانا أو أن تستقل بحكم. وأما أهل العلم والدين، وأهل البصائر من ورثة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم فعقولهم يرجع إليها مع اتفاقهم، وإن اختلفوا، فالميزان هو الكتاب والسنة.

وقولك: وإذا وزنتها العقول السليمة، فلا شك أنها لهو ولعب، فاللهو واللعب ما لا يعود بمنفعة أصلا ويعود بمضرة رجحت على مصلحته، وإدخال القهوة في هذا التعريف يحتاج إلى أصول ومقدمات "لو يعطى الناس بدعواهم"٢ الحديث. وما ذكرت من التعليل قد يجري في كل مباح، كإضاعة المال


١ التحقيق الذي يثبته الطب أن شرب القهوة والشاي والدخان يحدث تنبيها في العصب، وهو المراد بما أشار إليه الشيخ منه حدة الذهن، ثم يحدث عقب ذلك التنبيه فتور بمقتضى ما يسمى سنة "رد الفعل". وهو معنى قول علمائنا: ما جاوز حده رجع إلى ضده، فالفتور الذي ذكره الشيخ هو ضد ذلك التنبيه، وهو من تأثير المادة السامة التي توجد في كل من القهوة والشاي والدخان، وهو يزول بشربها لما فيه من التنبيه. ومثل هذا يوجد في الخمر، وهو المراد بقول الشاعر الفاسق: * وداوني بالتي كانت هي الداء * وقوله:
وكأس شربت على لذة ... وأخرى تداويت منها بها
ولكن ما تحدثه الخمر من تنبه العصب ومن الفتور الذي يعقبه ليس هو العلة في تحريمها بل علته ذهاب العقل والنشوة التي هي مثار العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة.
٢ البخاري: تفسير القرآن (٤٥٥٢) , ومسلم: الأقضية (١٧١١) , والنسائي: آداب القضاة (٥٤٢٥) , وابن ماجه: الأحكام (٢٣٢١) , وأحمد (١/ ٣٤٢ ,١/ ٣٥١ ,١/ ٣٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>