للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين، ونحن حديث عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها، وينوطون بها أسلحتهم يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بسدرة، فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر! هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون} لتركبن سنن من كان قبلكم". فانظروا -رحمكم الله- أينما وجدتم سدرة أو شجرة، فقصدها الناس يعظمون من شأنها، ويرجون البرء والشفاء من قبلها، وينوطون بها الخرق والمسامير، فهي ذات أنواط، فاقطعوها. انتهى كلامه -رحمه الله-.

فانظر -رحمك الله- إلى تصريح هذا الإمام، بأن كل شجرة يقصدها الناس، ويعظمونها ويرجون الشفاء والعافية من قبلها، فهي ذات أنواط التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه لما طلبوا منه أن يجعل لهم شجرة كذات أنواط، فقال: "الله أكبر! هذا كقول بني إسرائيل: {اجعل لنا إلها} "١ مع أنهم لم يطلبوا إلا مجرد مشابهتهم في العكوف عندها، وتعليق الأسلحة للتبرك؛ فتبين لك بهذا أن من جعل قبرا أو شجرة أو شيئا حيا أو ميتا مقصودا له، ودعاه واستغاث به، وتبرك به وعكف على قبره، فقد اتخذه إلها مع الله. فإذا كان الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنكر عليهم مجرد طلبهم منه مشابهة المشركين في العكوف، وتعليق الأسلحة للتبرك، فما ظنك بما هو أعظم من ذلك وأطم؟ الشرك الأكبر الذي حرمه الله ورسوله، وأخبر أن أصلح الخلق لو يفعله لحبط عمله، وصار من الظالمين. فصلوات الله وسلامه عليه كما بلغ البلاغ المبين، عرفنا بالله وأوضح لنا الصراط المستقيم، فحقيق بمن نصح نفسه، وآمن بالله واليوم الآخر أن لا يغتر بما عليه أهل


١ الترمذي: الفتن (٢١٨٠) , وأحمد (٥/ ٢١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>