للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لسان نبيه ما شاء"١.

أخرجاه في الصحيحين، وهو إنما يفعل ما أمر الله به. ثم قال: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} ٢، بيَّن أنهم لا يعلمون من علمه إلا ما علمهم إياه، كما قالت الملائكة: {لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} ٣؛ فكان في هذا النفي إثبات أنه عالم، وأن عباده لا يعلمون إلا ما علمهم إياه، فأثبت أنه الذي يعلمهم لا ينالون العلم إلا منه، فإنه الذي خلق الإنسان من علق، وعلَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم.

ثم قال: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} ٤ أي: لا يثقله ولا يكربه، وهذا النفي يتضمن كمال قدرته، فإنه -مع حفظه السماوات والأرض- لا يثقل ذلك عليه كما يثقل على من في قوته ضعف، وهذا كقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} ٥ فنَزَّه نفسه عن اللغوب. قال أهل اللغة: "اللغوب" هو الإعياء والتعب.

وكذلك قوله: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} ٦ والإدراك -عند السلف والأكثرين- هو الإحاطة، وقالت طائفة: هو الرؤية، وهو ضعيف؛ لأن نفي الرؤية لا مدح فيه، فإن العدم لا يرى، وكل وصف لا يشترك فيه الوجود، والعدم لا يستلزم أمرا ثبوتيا، ولا يكون فيه مدح، إذ هو عدم محض بخلاف ما إذا قيل: لا يحاط به، فإنه يدل على عظم الرب -جل جلاله-، وأن العباد -مع رؤيتهم له- لا يحيطون به رؤية، كما أنهم -مع معرفتهم- لا يحيطون به علما، وكما أنهم -مع مدحهم له، وثنائهم عليه- لا يحصون ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه المقدسة، كما قال أفضل الخلق -صلى الله عليه وسلم-: "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"٧.

[الوجه السادس: صفات الله ليست عينا له ولا غيرا مباينا له]

(الوجه السادس): أن يقال: قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: "أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك"٨ أخرجاه في الصحيحين، وهذا مما يدل على تغاير صفات الله؛ لأنه استعاذ برضاه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته، فدلَّ ذلك على أن الرضى غير السخط، والمعافاة غير العقوبة، ومن جعل نفس إرادته هي رحمته وهي غضبه يكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "أعوذ برضاك من سخطك"٩ عنده أنه استعاذ بنفس الإرادة منها، وهذا ممتنع؛ فإنه ليس عنده للإرادة صفة ثبوتية


١ البخاري: الزكاة (١٤٣٢) , ومسلم: البر والصلة والآداب (٢٦٢٧) , والنسائي: الزكاة (٢٥٥٦) , وأبو داود: الأدب (٥١٣١) , وأحمد (٤/ ٤٠٠ ,٤/ ٤١٣).
٢ سورة البقرة آية: ٢٥٥.
٣ سورة البقرة آية: ٣٢.
٤ سورة البقرة آية: ٢٥٥.
٥ سورة ق آية: ٣٨.
٦ سورة الأنعام آية: ١٠٣.
٧ مسلم: الصلاة (٤٨٦) , والترمذي: الدعوات (٣٤٩٣) , والنسائي: التطبيق (١١٠٠ ,١١٣٠) , وأبو داود: الصلاة (٨٧٩) , وابن ماجه: الدعاء (٣٨٤١) , وأحمد (٦/ ٥٨) , ومالك: النداء للصلاة (٤٩٧).
٨ مسلم: الصلاة (٤٨٦) , والترمذي: الدعوات (٣٤٩٣) , والنسائي: التطبيق (١١٠٠ ,١١٣٠) والاستعاذة (٥٥٣٤) , وأبو داود: الصلاة (٨٧٩) , وابن ماجه: الدعاء (٣٨٤١) , وأحمد (٦/ ٥٨) , ومالك: النداء للصلاة (٤٩٧).
٩ مسلم: الصلاة (٤٨٦) , والترمذي: الدعوات (٣٤٩٣) , والنسائي: التطبيق (١١٠٠ ,١١٣٠) والاستعاذة (٥٥٣٤) , وأبو داود: الصلاة (٨٧٩) , وابن ماجه: الدعاء (٣٨٤١) , وأحمد (٦/ ٥٨) , ومالك: النداء للصلاة (٤٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>