للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما جعل الله القرآن عربيا، ويسَّره بلسان نبيه صلى الله عليه وسلم كان ذلك فعلا من أفعال الله -تبارك وتعالى- جعل القرآن به عربيا بينا يعني هذا بيان، لمن أراد الله هداه.

ثم إن الجهمي ادَّعى أمرًا آخر وهو من المحال، فقال: أخبرونا عن القرآن، هو الله أو غير الله؟ فادعى في القرآن أمرا، فوهم للناس. فإذا سئل الجاهل عن القرآن: هو الله أو غير الله؟ فادعى في ال من أن ١ يقول أحد القولين، فإن قال: هو الله. قال له الجهمي: كفرت. وإن قال: هو غير الله. قال: صدقت. فلم لا يكون غير الله مخلوقا؟ فيقع في نفس الجاهل من ذلك ما يميل به إلى قول الجهمي، وهذه المسألة من الجهمي هي من المغاليط.

(فالجواب) للجهمي إذا سأل فقال: أخبرونا عن القرآن: هو الله، أو غير الله؟ قيل له: إن الله -جل ثناؤه- لم يقل: في القرآن إن القرآن أنا، ولم يقل: هو غيري، وقال: هو كلامي، فسميناه باسم سمَّاه الله به، فقلنا: كلام الله، فمن سمَّى القرآن باسم سمَّاه الله به كان من المهتدين، ومن سمَّاه باسم غيره كان من الضالين.

وقد فَصَلَ الله بين قوله وبين خلقه، ولم يسمه قولا، فقال: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} ٢، فلما قال: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ} ٣ لم يبق شيء مخلوق إلا كان داخلا في ذلك، ثم ذكر ما ليس بخلق فقال: {وَالأَمْرُ} فأمره هو قوله: {تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ٤ أن يكون قوله خلقا.

وقال: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} ٥، ثم قال للقرآن: {أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} ٦، وقال: {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} ٧ يقول: لله القول من قبل الخلق ومن بعد الخلق، فالله يخلق ويأمر، وقوله غير خلقه.

وقال: {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ} ٨، وقال: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} ٩. ثم قال أحمد -رحمه الله-:


١ الظاهر أن العبارة هكذا: فلا بد أن يقول أحد القولين، اهـ من الأصل.
٢ سورة الأعراف آية: ٥٤.
٣ سورة الأعراف آية: ٥٤.
٤ سورة الأعراف آية: ٥٤.
٥ سورة الدخان آية: ٣.
٦ سورة الدخان آية: ٣.
٧ سورة الروم آية: ٤.
٨ سورة الطلاق آية: ٥.
٩ سورة هود آية: ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>