للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان وجود الكتاب والسنة ضررًا محضا في أصل الدين، فإن حقيقة الأمر على ما يقوله هؤلاء: إنكم -معاشر العباد- لا تطلبوا معرفة الله ولا ما يستحقه من الصفات نفيا وإثباتا، لا من الكتاب ولا من السنة، ولا من طريق سلف الأمة، ولكن انظروا أنتم فما وجدتموه مستحقا له من الصفات فصفوه به، سواء كان موجودا في الكتاب والسنة أو لم يكن، وما لم تجدوه مستحقا له في عقولكم فلا تصفوه به، وإليه عند التنازع فارجعوا؛ فإنه الحق الذي تعبدتكم به.

وما كان مذكورا في الكتاب والسنة مما يخالف قياسكم هذا فاجتهدوا في تخريجه على شواذ اللغة، ووحشي الألفاظ، وغرائب الكلام، أو اسكتوا عنه مفوضين علمه إلى الله، مع نفي دلالته على شيء من الصفات. هذا حقيقة الأمر على رأي هؤلاء، وهو لازم لهم لزوما لا محيد عنه.

ومضمونه أن كتاب الله لا يهتدى به في معرفة الله، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم معزول عن التعليم والإخبار بصفات من أرسله، وما أشبه حال هؤلاء بالذين قال الله فيهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} ١ إلى قوله: {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} ٢.

فإن الرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو إلى سنته بعد وفاته، فإن هؤلاء إذا دعوا إلى ذلك أعرضوا، ورأيتهم يصدون عنه صدودا، ويقولون: يلزم منه كذا، وما قصدنا إلا إحسانا وتوفيقا بين هذه الطريقة التي سلكناها وبين الدلائل النقلية.

ثم عامة هذه الشبهات -التي يسمونها دلائل- إنما قلدوا فيها طاغوتا من طواغيت المشركين والصابئين، أو بعض ورثته الذين أمروا أن يكفروا به، وقد قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي


١ سورة النساء آية: ٦٠، ٦١.
٢ سورة النساء آية: ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>