للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحتج الخصوم بعضهم على بعض بما يصدقه الذي تقام به عليه الحجة سواء صدقه المحتج به أو لم يصدقه؛ لأن من صدق شيئا لزمه القول به، أو بما يوجب العلم الضروري، فيصير الخصم حينئذ -إن خالفه- مكابرا بالباطل منقطعا.

إلا أن بعض ما يشغبون به أحاديث صحيحة، منها: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: "أنت مني بمنْزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي"١.

قال أبو محمد: "وهذا لا يوجب فضل علي على من سواه، ولا استحقاق الإمامة بعده؛ لأن هارون -عليه السلام- لم يل أمر بني إسرائيل بعد موسى -عليهما السلام- وإنما ولي الأمر بعد موسى -عليه السلام- فتاه يوشع بن نون، وهو صاحبه الذي سافر معه في طلب الخضر عليهما السلام. كما ولي الأمر بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صاحبه في الغار الذي سافر معه إذ هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.

وإذا لم يكن علي نبيا كما كان هارون، ولا كان هارون خليفة على بني إسرائيل بعد موسى -عليهما السلام-، فقد صح أن كونه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنْزلة هارون من موسى -عليهما السلام- إنما هو في القرابة فقط.

وأيضا فإنما قال رسول -الله صلى الله عليه وسلم- هذا القول إذ استخلفه على المدينة في "غزوة تبوك فقال المنافقون: استثقله فَخَلَّفَهُ. فلحق علي رضي الله عنه برسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ، فشكا إليه، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أنت مني بمنْزلة هارون من موسى"٢ لاستخلافه إياه على المدينة مختارا له.

ثم قد استخلف صلى الله عليه وسلم قبل تبوك وبعدها على المدينة في غزواته وعُمَرِهِ وحجه رجالا سوى علي رضي الله عنه فصح أن هذا الاستخلاف لا يوجب لعلي فضلا على غيره ممن استخلفه، ولا يوجب -أيضا- ولاية الأمر بعده صلى الله عليه وسلم كما لم يوجب ذلك لغيره من المستخلفين.

قال أبو محمد: "وعمدة ما احتجت به الإمامية أنه لا بد أن يكون إمام معصوم، عنده جميع علم الشريعة، يرجع الناس إليه في أحكام الدين؛ ليكونوا مما تعبدوا به على يقين.

قال أبو محمد: "هذا لا شك فيه، وهو معروف ببراهينه الواضحة، وأعلامه


١ البخاري: المغازي (٤٤١٦) , ومسلم: فضائل الصحابة (٢٤٠٤) , والترمذي: المناقب (٣٧٣١) , وابن ماجه: المقدمة (١٢١) , وأحمد (١/ ١٧٥ ,١/ ١٧٧ ,١/ ١٧٩ ,١/ ١٨٢ ,١/ ١٨٤ ,١/ ١٨٥).
٢ البخاري: المغازي (٤٤١٦) , ومسلم: فضائل الصحابة (٢٤٠٤) , والترمذي: المناقب (٣٧٣١) , وابن ماجه: المقدمة (١٢١) , وأحمد (١/ ١٧٥ ,١/ ١٧٧ ,١/ ١٧٩ ,١/ ١٨٢ ,١/ ١٨٤ ,١/ ١٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>