للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتبيَّن أن هذا ليس من الأسباب المشروعة، لو قُدِّرَ أن له تأثيرا، فكيف إذا لم يكن له تأثير صالح؟

[الأنبياء والصالحون لم يُعْبَدُوا إلا بعد موتهم]

وذلك أن من الناس الذين يستغيثون بغائب أو ميت من تتمثل له الشياطين، وربما كانت على صورة ذلك الغائب، وربما كلمته، وربما قضتْ له أحيانا بعضَ حوائجه، كما تفعل شياطين الأصنام، فإن أحدا من الأنبياء والصالحين لم يُعْبَد في حياته؛ إذ هو يَنْهَى عن ذلك.

وأما بعد الموت فهو لا يقدر أن ينهى؛ فيفضي ذلك إلى اتخاذ قبره وثنا يُعْبَد. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تتخذوا قبري عيدا .. إلخ"١ وقال: "اللهم لا تجعل قبري وثنا يُعْبَد"٢.

وقال غير واحد من السلف في قوله تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ} ٣ الآية: إن هؤلاء كانوا قومًا صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم؛ ولهذا المعنى لعن النبي صلى الله عليه وسلم الذين اتخذوا قبور الأنبياء والصالحين مساجد. انتهى ملخصا.

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الزبير أنه رأى قوما يمسحون المقام فقال: لَم تُؤْمَرُوا بهذا، إنما أُمِرْتُم بالصلاة عنده. وأخرج عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قول الله -تعالى-: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} ٤ قال: إنما أمروا أن يصلوا عنده، ولم يؤمروا بمسحه، ولقد تكلفت هذه الأمة أشياء ما تكلفته الأمم قبلها.

فإذا كان المعترض يستدل بكلام شيخ الإسلام؛ فهذا صريح كلامه المُؤَيَّد بالأدلة والبراهين. وكلام العلماء كمثل كلام شيخ الإسلام في هذا المعنى كثيرٌ جدا، لو ذكرناه لطال الجواب.

وأما قول المعترض: بل مدح الصرصري، وأثنى عليه بقوله: قال الفقيه الصالح يحيى بن يوسف الصرصري في نظمه المشهور.

(فالجواب): أن هذا من جملة أكاذيب المعترض على شيخ الإسلام وغيره،


١ أحمد (٢/ ٣٦٧).
٢ مالك: النداء للصلاة (٤١٦).
٣ سورة نوح آية: ٢٣.
٤ سورة البقرة آية: ١٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>