للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} ١ الآية.

[إخلاص العبادة لله واتقاء الشرك]

قال أبو العباس ابن تيمية: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره ملك، أو قسط منه، أو يكون عونا لله، ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب كما قال: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} ٢، فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منفية يوم القيامة كما نفاها القرآن.

فالشفاعة لأهل الإخلاص بإذنه، ولا تكون لمن أشرك، وحقيقتها أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص، فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع ليكرمه، وينال المقام المحمود. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الشفاعة لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص.* انتهى ملخصًا.

وهو سبحانه لا يرضى من عبده إلا التوحيد الذي هو دينه الذي بعث به رسله وأنزل به كتبه كما قال -تعالى-: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} ٣، وقال -تعالى-: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} ٤. فهذا هو حكم الله الشرعي الذي حكم به على خلقه بأن يصرفوا أعمالهم له وحده دون كل من سواه؛ ولهذا قال: {وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} ٥، وقال في سورة يوسف: {أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} ٦.

فالعبد وأعماله الظاهرة والباطنة كلها ملك لله، لايصلح أن يصرف منها شيء لغير الله، فإن صرف العبد منها شيئا لغير الله فقد وضعه في غير موضعه، وذلك هو الظلم العظيم كما قال: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ٧.

وأنفع ما للعبد في معاشه ومعاده أن يوجه وجهه وقلبه إلى الله، ويجمع همته عليه في جميع مطالبه الدنيوية والأخروية، كما قال العارف بالله الذي استنار قلبه بآيات الله وحججه وبيناته:

وإذا تولاه امرؤ دون الورى ... طرًّا تولاه العظيم الشان


١ سورة سبأ آية: ٢٢، ٢٣.
٢ سورة الأنبياء آية: ٢٨.
* كتاب "الإيمان" ص ٦٦ - ٦٧، وهو في "مجموع الفتاوى" ٧/ ٧٧ - ٧٩. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]
٣ سورة الزمر آية: ١١.
٤ سورة الأنعام آية: ١٦٢، ١٦٣.
٥ سورة الأنعام آية:١٦٣.
٦ سورة يوسف آية: ٤٠.
٧ سورة لقمان آية: ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>