للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالعبد مضطر إلى الله الذي محياه ومماته له، فهو قبلة قلبه ووجهه كما أخبر عن خليله -عليه السلام- أنه قال: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ١.

وإنما شرع الله ورسوله زيارة القبور لتذكر الآخرة كما قال صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها؛ فإنها تذكركم الآخرة"٢ أي لتسعوا لها سعيها. {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} ٣ فجعلوها محطا للرحال، ومطلبا للآمال، ومعاذا وملاذا. وهذا هو الشرك الذي لم يشرعه الله، بل شدد النهي عنه والوعيد عليه، وأخبر أنه لا يغفره.

قال -تعالى-: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} ٤، وقال -تعالى-: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} ٥، وقال: {حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} ٦، وقال -تعالى-: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} ٧ وهي نكرة في سياق النهي فتعم.

فلو جاز الاستظهار بأرواح الأموات -كما قاله هذا الجاهل بالله وبدينه- لجاز أن يستظهر العبد بالحفظة من الملائكة، الذين هم معه لا يفارقونه بيقين، وهم كما وصف الله: {عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} ٨، وهذا لا يقوله مسلم أصلا، بل لو فعله أحد كان مشركا بالله.

فإذا لم يجز ذلك في حق الملائكة الحاضرين، فأن لا يجوز في حق أرواح أموات قد فارقت أجسادها لا يعلم مستقرها إلا الله أولى، قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ * إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} ٩. وأنت ترى أكثر الناس انصرفت قلوبهم عن فهم الحق ومعرفته بدليله، حتى تمكنت الشبهات منهم


١ سورة الأنعام آية: ٧٩.
٢ ابن ماجه: ما جاء في الجنائز ١٥٧١ , وأحمد ١/ ٤٥٢.
٣ سورة البقرة آية: ٥٩.
٤ سورة النساء آية: ١١٥.
٥ سورة المؤمنون آية: ١١٧.
٦ سورة الأعراف آية: ٣٧.
٧ سورة الجن آية: ١٨.
٨ سورة الأنبياء آية: ٢٦، ٢٧.
٩ سورة النحل آية: ٢٠: ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>