للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذريعة قريبة إلى عبادتها، فتعظيمها بما لم يشرعه الله ورسوله غلو، والغلو أعظم وسائل الشرك.

والذي فهمه هذان السيدان الجليلان هو الذي فعله السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، فإن الثابت عنهم المتواتر أنهم كانوا إذا دخلوا المسجد صلوا على النبي صلى الله عليه وسلم واكتفوا بذلك عن المجيء إلى قبره صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لعلمهم بما شرعه الله ورسوله. وكان ابن عمر رضي الله عنه إذا قدم من سفر سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم على أبي بكر، ثم على أبيه، ثم انصرف.

فهذا حال الصحابة -رضي الله عنهم-، وهم أشد الناس تمسكا بالسنة، وأعلم الناس بما يجوز وما لا يجوز.

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام -رحمهم الله تعالى-: ووجه الدلالة من هذا الحديث أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم أفضل قبر على وجه الأرض، وقد نهى عن اتخاذه عيدا، فغيره أولى.* قال: والعيد ما يعتاد قصده ومجيئه من مكان أو زمان.**

[أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد]

قال العلامة ابن القيم -رحمه الله-: وقد حرف هذه الأحاديث بعض من أخذ شبها من اليهود بالتحريف، وشبها من النصارى بالشرك، مراغمة لما قصده الرسول صلى الله عليه وسلم وقلبا للحقائق، ولا ريب أن ارتكاب كل كبيرة دون الشرك أقل إثما، وأخف عقوبة من تعاطي مثل ذلك في دينه وسنته. ولو أراد الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تجعلوا قبري عيدا"١ أمرا بملازمة قبره واعتياد قصده، لما نهى عن اتخاذ قبور الأنبياء مساجد، ولعن من فعل ذلك، ولما قال أعلم الخلق به: ولولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا. انتهى. ...

قلت: وفي هذه الأحاديث ما يبطل هذا التحريف الذي أشار إليه العلامة كتحريف شارح المشارق، فإن قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تتخذوا قبري


١ أبو داود: المناسك ٢٠٤٢ , وأحمد ٢/ ٣٦٧.
* من كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم" ٢/ ١٧٣. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]
** هذا قول الإمام ابن قيم الجوزية، وهو في "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" ١/ ١٩٠. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]
... من كتاب "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" ١/ ١٩٢. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]

<<  <  ج: ص:  >  >>