للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد أحسن العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كافيته إذ يقول:

ولقد نهى ذا الخلق عن إطرائه ... فعل النصارى عابدي الصلبان

ولقد نهانا أن نصير قبره ... عيدًا حذار الشرك بالرحمن

ودعا بأن لا يجعل القبر الذي ... قد ضمه وثنًا من الأوثان

فأجاب رب العالمين دعاءه ... وأحاطه بثلاثة الجدران

حتى غدت أرجاؤه بدعائه ... في عزة وحماية وصيان

ولقد غدا عند الوفاة مصرحا ... باللعن يصرخ فيهم بأذان

وعنى الأُلى جعلوا القبور مساجدًا ... وهم اليهود وعابدو الصلبان

والله لولا ذاك أبرز قبره ... لكنهم حجبوه بالحيطان

قلت: والآيات المحكمات أصرح شيء وأوضحه في بيان حقيقة الشرك في الإلهية: وهو صرف العبد شيئًا من أنواع العبادة التي يصلح التقرب بها إلى الله، فيتقرب بها إلى غيره. فإن العبادة بجميع أنواعها حق لله، ومختصة به.

وكذلك هذه الأحاديث المذكورة ونحوها أبين شيء وأجلاه في تحريم وسائل هذا الشرك، لكن الكثير من متأخري هذه الأمة وقعوا في هذا الشرك لما طال عليهم الأمد، وبعدوا عن عصر سلف هذه الأمة، وزمن أتباعهم من الأئمة، الذين أجمع العلماء من أهل السنة على هدايتهم ودرايتهم، فانتشرت البدع بعدهم، والتبس الحق بالباطل بظهور علم الكلام والفلسفة. فيا لها مصيبة ما أعظمها!

فلما استمكنت أصول تلك البدع في قلوب من ينتسب إلى العلم من المتأخرين، حاولوا صرف المعنى الذي دلت عليه النصوص، وأراده الله ورسوله بالنهي عنه، والتغليظ فيه، إلى ضروب من التحريف، فرارا من أن يدخل الواقع منهم تحت ذلك النهي. فلما لبسوا لبس عليهم؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} ١.


١ سورة الكهف آية: ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>