للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"اجعل لنا ذات أنواط"١ بقول بني إسرائيل: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا} ٢، ومنها أن حقيقة الشيء لا تتغير بتغير الاسم، ومنها خطر الشرك والجهل، فكادوا أن يقعوا في الشرك لما جهلوه، فإذا كان هذا في عهد النبوة وإقبال الدين، فكيف لا يقع بعد تقادم العهد، وتغير الأحوال، واشتداد غربة الدين؟!

ومنها مشابهة هذه الأمة لأهل الكتاب فيما وقع منهم كما في الحديث الآخر: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ "٣. فإذا تبين أن التعلق بالأشجار ونحوها عبادة لها من دون الله، ووضع للعبادة في غير موضعها، فلا فرق بين أن يصرف لشجرة أو قبر أو غير ذلك.

ومعلوم أن الشجر له حياة بحسبه، مطيع لربه، يسبح بحمده، وما عبدت اللات والعزى ومناة إلا بمثل ذلك التعلق والاعتقاد، قال مجاهد: اللات كان رجلا صالحا يلت السويق للحاج، فمات، فعكفوا على قبره. وكذا قال أبو الجوزاء عن ابن عباس.

وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء"٤. فقد -والله- اشتدت غربة الإسلام حتى عاد الشرك بالله دينا وقربة يتقرب به إلى الله، وهو أعظم ذنب عصي الله به كما قال تعالى: {لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ٥، وقال: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ} ٦، وقال: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} ٧.

[شبهة اتصال روح زائر القبر بروح الميت واستمداده منه]

الوجه الثامن: أن هذا الذي أجازه هذا المجيب هو بعينه قول الفلاسفة المشركين، فإنهم قالوا: إن الميت المعظم الذي لروحه قرب ومزية عند الله لا تزال تأتيه الألطاف من الله، وتفيض على روحه الخيرات، فإذا علق الزائر روحه به


١ الترمذي: الفتن ٢١٨٠ , وأحمد ٥/ ٢١٨.
٢ سورة الأعراف آية: ١٣٨.
٣ البخاري: أحاديث الأنبياء ٣٤٥٦ , ومسلم: العلم ٢٦٦٩ , وأحمد ٣/ ٨٤.
٤ الترمذي: الإيمان ٢٦٢٩ , وابن ماجه: الفتن ٣٩٨٨ , وأحمد ١/ ٣٩٨ , والدارمي: الرقاق ٢٧٥٥.
٥ سورة لقمان آية: ١٣.
٦ سورة المائدة آية: ٧٢.
٧ سورة الحج آية: ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>