للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: كيف أمسكتم عن اسم الإيمان أن تسموا به الفاسق، وأنتم تزعمون أن أصل الإيمان معه، وهو التصديق بالله ورسوله؟

"قلنا": لأن الله ورسوله وجماهير المسلمين يسمون الأشياء بما علمت عليها من الأسماء، فيسمون الزاني فاسقا، والقاذف فاسقا، وشارب الخمر فاسقا، ولم يسموا واحدا من هؤلاء تقيا ولا ورعا، وقد أجمع المسلمون أن فيه أصل التقوى والورع، وذلك أنه يتقي أن يكفر أو يشرك بالله، وكذلك يتقي أن يترك الغسل من الجنابة والصلاة، ويتقي أن يأتي أمه فهو في جميع ذلك يتقي ١.

وقد أجمع المسلمون من الموافقين والمخالفين أنه لا يسمى تقيا ولا ورعا إذا كان يأتي بالفجور، مع أن أصل التقوى والورع نفاه الله يزيد فيه ... ٢

من دعاء بعد الأصل كتورعه عن إتيان المحارم، ثم لا يسمونه تقيا ولا ورعا مع إتيانه ببعض الكبائر، بليسمونه فاسقا وفاجرا مع علمهم أنه قد نفى بعض التقوى والورع، فمنعهم من ذلك أن اسم التقي اسم ثناء وتزكية، وأن الله قد أوجب عليهم المغفرة والجنة. قالوا: فلذلك لا نسميه مؤمنا، ونسميه فاسقا وزانيا، وإن كان في قلبه أصل الإيمان؛ لأن اسم الإيمان أصل أثنى الله به على المؤمنين، وزكاهم به، وأوجب لهم الجنة. ثم قال: مسلم ولم يقل ومن قالوا: ولو كان أحد من المسلمين الموحدين يستحق أن لا يكون في قلبه إيمان وإسلام لكان أحق الناس به أهل النار الذين يخرجون منها؛ لأنه صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله يقول: "أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان"٣ فثبت أن شر المسلمين في قلبه إيمان.

ولما وجدنا الأمة تحكم بالأحكام التي ألزمها الله المسلمين، ولا يكفرونهم، ولا يشهدون لهم بالجنة؛ ثبت أنهم مسلمون يجري عليهم أحكام المسلمين، وأنهم لا يستحقون أن يسموا مؤمنين.


١ الكلام هنا غير منسق. فلعله سقط منه شيء.
٢ بياض في الأصل.
٣ البخاري: الإيمان "٢٢" , ومسلم: الإيمان "١٨٤" , وأحمد "٣/ ٥٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>