للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من كتابه، وأما الحلف لغير مصلحة فليس مشروعا، بل يباح إذا كان صادقا.

[الدعاء يتضمن الرغبة والرهبة والتوكل على المدعو]

وأما الدعاء: فهو مشروع محبوب لله، بل سماه الله في كتابه الدين، وأمر بإخلاصه له، وسماه رسوله صلى الله عليه وسلم العبادة، ومخ العبادة، فكيف يقال: هو كالحلف؟

فمن صرف الدعاء لغير الله فقد أشرك في الدين الذي أمر الله بإخلاصه له، وفي العبادة التي أمر الله بها.

وأيضا فإن الداعي راغبٌ راهبٌ، فالعبد يدعو ربه رغبا ورهبا، ويتوكل عليه في حصول مطلوبه، ودفع مرهوبه، فإذا طلب فوائده، وكَشْفَ شدائده من غير الله فقد أشرك مع الله في الرغبة والرهبة والرجاء والتوكل، فإن هذا من لوازم الدعاء، وهو من العبادة التي أمر الله بها، كقوله تعالى: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} ١ وقوله تعالى: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} ٢ وقال: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ٣.

فمن استغاث بغير الله فهو راغب إليه في حصول مطلوبه رَاجٍ له، متوكل عليه، وذلك هو حقيقة العبادة التي لا تصلح إلا لله، وهو معنى لا إله إلا الله، فإن الإله هو الذي تألهه القلوب محبة ورجاء، وخوفا وتوكلا.

ويقال أيضا: الذي يدعو غير الله في مهماته وكشف كرباته: قد رد على الله كلامه، وَكَذَّبَ بآياته، فإن الله عز وجل- أخبر أنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، وأن الشفاعة كلها لله، وهذا زعم أن الميت يشفع له، وأخبر الله أن الأولياء والصالحين لا يملكون كشف الضر ولا تحويله، وأنهم لا ينفعون ولا يضرون، ولا يسمعون الدعاء ولا يستجيبون، وهذا زعم أنهم باب حوائجه إلى الله، وأنهم ينفعون ويشفعون، وللدعاء يسمعون، وله يستجيبون، فكذب على الله وكذَّب بآياته.

فكيف يقال: إن هذا كالحلف بغير الله الذي أَوَّلُوهُ أن يكون شركا أصغر يُعَاقَب عليه، كما يعاقب الزاني وقاتل النفس وآكل الربا؛ لأنه ارتكب محرما غير مستحل له، نظير ما يفعله الزاني وقاتل النفس؟ فأما إن فعله مستحلا أو لكون


١ سورة الشرح آية: ٨.
٢ سورة البقرة آية: ٤٠.
٣ سورة المائدة آية: ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>