للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقول الزور، وقذف المحصنات؛ كل ذلك قولٌ باللسان، ولو قال أحدٌ: إنها ألفاظٌ متقاربةٌ لَعُدَّ من المجانين، وإن أراد هذا القائل اتحادَهما في المعنى، فهذا باطل كما تقدم بيانُهُ، وأيّ مشابهة بين من جعل لله ندا من خلقه يدعوه ويرجوه ويستنصر به، ويستغيث به، وبين مَن لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، وأخلص له في عبادته، فالأول أشرك مع الله في قوله وفعله واعتقاده، بخلاف الحالف، بل لو اعتقد الحالف تعظيم المخلوق على الخالق لصار شركا أكبر كما تقدم.

[حديث ذات الأنواط]

ومما يبين أيضا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لَمَّا نهاهم عن الحلف بغير الله وحلف بعض الصحابة -حديثو العهد- فقال في حلفه: واللات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله"١؛ ولما قال له بعض الصحابة -حديثو العهد بالكفر-: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، قال: "الله أكبر إنها السنن قلتم -والذي نفسي بيده- كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} لتركبن سنن من كان قبلكم"٢.

فانظر كيف نهى الحالف وأرشده إلى الكفارة بأن يقول: لا إله إلا الله من غير التغليظ الشديد. والذين قالوا: اجعل لنا ذات أنواط غلظ عليهم التغليظ الشديد، وحلف لهم أن طِلبتهم كطِلبة بني إسرائيل، وأن قولهم: اجعل لنا ذات ... كقول بني إسرائيل: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} ٣ سواء بسواء، فهما متفقان معنًى، وإن اختلف اللفظ.

وهذا مما يُبَيِّنُ لك شيئا من معنى لا إله إلا الله، فإذا كان اتخاذ الشجرة للعُكُوف حولها، وتعليق الأسلحة بها للتبرك اتخاذ إله مع الله مع أنهم لا يعبدونها، ولا يسألونها، فما الظن بالعكوف حول القبر ودعائه في إنزال الفوائد، والاستغاثة به في كشف الشدائد؟ وأخذ تربته تبركا؟ وإسراج القبر وتخليقه؟ وأيّ نسبة للفتنة بشجرة إلى الفتنة بالقبر، لو كان أهل الشرك والبدع يعلمون؟

قال بعض أهل العلم من أصحاب مالك: فانظروا -رحمكم الله- أينما وجدتم سِدرة


١ البخاري: تفسير القرآن "٤٨٦٠" والأدب "٦١٠٧" والاستئذان "٦٣٠١" والأيمان والنذور "٦٦٥٠" , ومسلم: الأيمان "١٦٤٧" , والترمذي: النذور والأيمان "١٥٤٥" , والنسائي: الأيمان والنذور "٣٧٧٥" , وأبو داود: الأيمان والنذور "٣٢٤٧" , وابن ماجه: الكفارات "٢٠٩٦" , وأحمد "٢/ ٣٠٩".
٢ الترمذي: الفتن "٢١٨٠" , وأحمد "٥/ ٢١٨".
٣ سورة الأعراف آية: ١٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>