للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في حال غَيْبَته لم يكن هذا إلا من زَيْغٍ في قلبه قد تناوله كقوله تعالى {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} ١.

وقوله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه في الصحيح من حديث عائشة: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم"٢.

"الوجه الثاني": أن يقال لمن استدل بالحديثين على دعاء غير الله: أتظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر أمته بالشرك، وقد نهى عنه، وجَرَّدَ التوحيد لله، ونهى عن دعوة غير الله.

وقال -فيما ثبت عنه- في صحيح البخاري: "من مات وهو يدعو لله نِدًّا دخل النار"٣ وقال لابن عباس: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله"٤ فكيف يجتمع في قلبك أن الله بعثه بالتوحيد والتحذير من الإشراك، ثم يأمر أمته بعين ما حَذَّرَهُم عنه؟! فمن زعم أن قوله: "يا عباد الله احبسوا" يدل على جواز دعاء الغائب بالنص، وعلى دعاء الميت بالقياس على الغائب، وكذلك حديث الأعمى هذا فقد حَادَّ الله ورسوله؛ حيث زعم أن الرسول أمر أمته بالإشراك الذي بعثه الله ينهى عنه.

"الوجه الثالث": أن يقال: وعلى تقدير أن هذا يدل على أن الاستغاثة بغير الله شرك أصغر، فهل يظن من في قلبه رائحة إيمان أن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر أمته بالشرك الأصغر الذي قد حرَّمه الله ورسوله؟ بل إذا علم الإنسان أن هذا شرك أصغر، ثم زعم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمر أمته به كان كافرًا.

وقد قال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ} ٥ إلى قوله: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ٦ فحاشا جنابه صلى الله عليه وسلم أن يأمر أمته بالشرك ولو كان أصغر.

ومن استدل بهذين الحديثين على دعاء الموتى والغائبين: فهو بين أمرين لا محيد


١ سورة آل عمران آية: ٧.
٢ البخاري: تفسير القرآن "٤٥٤٧" , ومسلم: العلم "٢٦٦٥" , والترمذي: تفسير القرآن "٢٩٩٣ ,٢٩٩٤" , وأبو داود: السنة "٤٥٩٨" , وابن ماجه: المقدمة "٤٧" , وأحمد "٦/ ٤٨ ,٦/ ١٢٤ ,٦/ ١٣٢ ,٦/ ٢٥٦" , والدارمي: المقدمة "١٤٥".
٣ البخاري: تفسير القرآن "٤٤٩٧" , وأحمد "١/ ٤٠٢ ,١/ ٤٠٧ ,١/ ٤٦٢ ,١/ ٤٦٤".
٤ الترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع "٢٥١٦" , وأحمد "١/ ٢٩٣ ,١/ ٣٠٣ ,١/ ٣٠٧".
٥ سورة آل عمران آية: ٧٩.
٦ سورة آل عمران آية: ٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>