للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالحديث على هذا المعنى -الذي ذهب إليه ابن عبد السلام- لا حُجَّة فيه لمن جَوَّزَ الاستغاثة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته، فإن هذا لم يفهمه أحد من العلماء من الحديث، ولم يذكروا في معناه إلا هذين القولين اللذين ذكرناهما.

"أحدهما" ما ذهب إليه ابن عبد السلام. "والثاني" ما ذهب إليه الأكثرون أن معناه: التوسل إلى الله بدعائه وشفاعته بحضوره كما في صحيح البخاري أن عمر -رضي الله عنه- استسقى بالعباس فقال: "اللهم إنا كنا إذا جدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فَيُسْقَوْنَ"١.

فبيَّن عمر أنهم كانوا يتوسلون به في حياته فيسقون، وتوسلهم به: هو أنهم يسألونه أن يدعو الله لهم، فيدعو ويدعون معه، فيتوسلون بدعائه كما في الصحيحين عن أنس: "أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة من بابٍ كان نَحْوًا من دار القضاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما ثم قال: يا رسول الله: هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: "اللهم أغثنا"٢ الحديث بطوله.

ففي هذا أنه قال: "ادع الله أن يغيثنا". فلما كثر الغيث قال: "ادع الله أن يمسكها عنا". فهذا هو التوسل الذي كانوا يفعلونه.

فلما مات -صلوات الله وسلامه عليه- لم يتوسلوا به، ولم يستسقوا به، فلو كان ذلك مشروعا لم يعدلوا إلى العباس، وكيف يتركون التوسل بنبيهم -صلى الله عليه وسلم- ويعدلون إلى العباس؟

وكذلك معاوية استسقى بيزيد بن الأسود الجرشي وقال: "اللهم إنا نتشفع إليك بخيارنا، يا يزيد ارفع يديك إلى الله" فرفع يديه ودعا ودعوا فَسُقُوا.

وقال أبو العباس ابن تيمية في "رده على ابن البكري"* -لما تكلم على حديث


١ البخاري: الجمعة "١٠١٠".
٢ البخاري: الجمعة "١٠١٤" , ومسلم: صلاة الاستسقاء "٨٩٧" , والنسائي: الاستسقاء "١٥١٨".
* لم أجد النقل التالي في كتاب "الرد على البكري" طبعة مكتبة الغرباء الأثرية، ولكنه بحروفه ثابت في الفتوى الملحقة بكتاب "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" ص ٣٠٠. ثم وجدتها بعد في طبعة دار المنهاج لكتاب "الرد على البكري". [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]

<<  <  ج: ص:  >  >>