للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للجَزَرِيّ: والتوسل إلى الله بأنبيائه ورسله.

"فالجواب" أن يقال: العبادات بناؤها على الأمر والاتباع، لا على الهوى والابتداع، والتوسل الذي جاءت به السنة وتواتر في الأحاديث هو: التوسل والتوجه إلى الله بالأسماء والصفات، وبالأعمال الصالحة، كالأدعية الواردة في السنة كقوله: "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت يا حي يا قيوم"١.

وفي الحديث الآخر: "اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد"٢ وقوله في الحديث الآخر: "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقتك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك"٣. وكما حكى الله سبحانه- عن عباده المؤمنين أنهم توسلوا إليه بصالح أعمالهم فقال حاكيا عنهم: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} ٤ الآية.

وكما ثبت في الصحيحين من قصة الثلاثة الذين أووا إلى الغار، فانطبقت عليهم الصخرة، فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم. وكالتوسل بدعاء الأنبياء والصالحين وشفاعتهم في حياتهم، كما ذكرنا من توسل الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء، وتوسلهم بالعباس وبيزيد بن الأسود، وتوسل الأعمى بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته له. فهذا كله مما لا نزاع فيه، بل هو من الأمور المشروعة، وهو من الوسيلة التي أمر الله بها في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} ٥.

[التوسل بذوات الصالحين غير مشروع]

وأما التوسل بالذات فيقال: ما الدليل على جواز سؤال الله بذوات المخلوقين؟ ومن قال هذا من الصحابة والتابعين؟ فالذي فعله الصحابة -رضي الله عنهم- هو التوسل إلى الله بالأسماء والصفات والتوحيد، والتوسل بما أمر الله به من الإيمان بالرسل ومحبتهم وطاعتهم ونحو ذلك، وكذلك توسلوا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته


١ النسائي: السهو "١٣٠٠" , وأبو داود: الصلاة "١٤٩٥".
٢ الترمذي: الدعوات "٣٤٧٥" , وابن ماجه: الدعاء "٣٨٥٧".
٣ أحمد "١/ ٤٥٢".
٤ سورة آل عمران آية: ١٩٣.
٥ سورة المائدة آية: ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>