للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في حياته، وبدعاء العباس ويزيد.

وأما التوسل بالذات بعد الممات: فلا دليل عليه، ولا قاله أحد من السلف؛ بل المنقول عنهم يناقض ذلك.

وقد نص غير واحد من العلماء على أن هذا لا يجوز، ونقل عن بعضهم جوازه، وهذه المسألة وغيرها من المسائل إذا وقع فيها النزاع بين العلماء فالواجب رد ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} ١ وقال تعالى: {مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} ٢.

ومعلوم أن هذا لم يكن منقولا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا مشهورا بين السلف، وأكثر العلماء على النهي عنه، ولا ريب أن الأنبياء والصالحين لهم الجاه عند الله، لكن الذين لهم النفع عند الله من الجاه والمنازل والدرجات أمرٌ يعود نفعه إليهم، ونحن ننتفع من ذلك باتباعنا لهم ومحبتنا، فإذا توسلنا إلى الله بإيماننا بنبيه صلى الله عليه وسلم - ومحبته وطاعته واتباع سنته كان هذا من أعظم الوسائل.

وأما التوسل بنفس ذاته مع عدم التوسل بالإيمان به وطاعته: فلا يكون وسيلة؛ فالمتوسل بالمخلوق إذا لم يتوسل بما مر من المتوسل به من الدعاء للمتوسل، أو بمحبته، واتباعه، فبأي شيء يتوسل به؟ والإنسان إذا توسل إلى غيره بوسيلة فإما أن يطلب من الوسيلة الشفاعة له عند ذلك، مثل أن يقول لأبي الرجل أو صديقه أو من يكرم عليه: اشفع لنا عند فلان، وهذا جائز، وإما أن يقسم عليه، ولا يجوز الإقسام على مخلوق بمخلوق كما أنه لا يجوز أن يقسم على الله بالمخلوقين.

فالتوسل إلى الله بذات خلقه: بدعة مكروهة، لم يفعلها السلف من الصحابة، ولا التابعين لهم بإحسان.

[سؤال الله بأحد خلقه وظن استجابة الدعاء عند قبره]

قال ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "إغاثة اللهفان في مكايد الشيطان": وهذه


١ سورة النساء آية: ٥٩.
٢ سورة الشورى آية: ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>