للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الزيارة البدعية الشركية فأصلها مأخوذ من عبادة الأصنام، وهو أن يقصد قبر صالح في الصلاة عنده، أو الدعاء عنده، والدعاء به، أو طلب الحوائج منه، أو الاستغاثة به، ونحو ذلك من البدع التي لم يشرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فعلها أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان -كما تقدم بيانه مبسوطا-.

ثم اعلم أن الزيارة الشرعية هي التي لا تُشَدُّ لها الرحال، فإن كانت تشد رحال فهي زيارة بدعية، لم يأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فعلها الصحابة، بل قد نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه في الصحيحين أنه قال: "لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا"١ وهذا الحديث اتفق الأئمة على صحته والعمل به.

[زيارة مسجد قباء لأهل المدينة]

فلو نذر رجل أن يصلي في المسجد، أو يعتكف فيه، أو يسافر إليه لم يجب عليه ذلك باتفاق الأئمة حتى نص بعض العلماء على أن لا يسافر إلى مسجد قباء؛ لأنه ليس من الثلاثة، مع أن مسجد قباء تُسْتَحَبُّ زيارته لمن كان بالمدينة؛ لأن ذلك ليس بشد رحل، كما في الصحيح: "مَنْ تَطَهَّرَ في بيته، ثم أتى مسجد قباء، لا يريد إلا الصلاة فيه، كان كعمرة"٢ قالوا: ولأن السفر لزيارة الأنبياء، وقبور الصالحين بدعة لم يفعلها أحد من الصحابة والتابعين، ولا أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا استحبَّها أحد من أئمة المسلمين، فمن اعتقد ذلك عبادة وفعلها فهو مخالف للسنة، وإنما اختلف العلماء أتباع الأئمة في الجواز بعد اتفاقهم أنه ليس مشروعا ولا مستحبا.

فالمتقدمون منهم قالوا: لا يجوز السفر إليها، ولا تقصر الصلاة في هذا السفر؛ لأنه معصية، وهذا قول أبي عبد الله بن بطة، وأبي الوفاء بن عقيل، وطوائف كثيرة.

وذهب طائفة من متأخري أصحاب أحمد والشافعي إلى جواز السفر إليها كأبي حامد الغزالي وابن عبدوس وأبي محمد المقدسي، وأجابوا عن حديث: "لا تشد الرحال"٣ بأنه لنفي الاستحباب والفضيلة، وردَّ عليهم الجمهور من وجهين:


١ البخاري: الجمعة "١١٨٩ ,١١٩٧" والحج "١٨٦٤" والصوم "١٩٩٦" , ومسلم: الحج "٨٢٧" , والترمذي: الصلاة "٣٢٦" , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها "١٤١٠" , وأحمد "٣/ ٧٨".
٢ النسائي: المساجد "٦٩٩" , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها "١٤١٢" , وأحمد "٣/ ٤٨٧".
٣ البخاري: الجمعة "١١٨٩" , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها "١٤١٠" , وأحمد "٣/ ٤٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>