للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التقية، فقال هو والملائكة: {شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} ١ أو تقولوا: {إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} ٢ فليس أحد من بني آدم إلا وهو يعرف أن الله ربه، ولا مشرك إلا وهو يقول: إنا وجدنا آباءنا على أمة، فذلك قوله -تعالى-: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} ٣ وقوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} ٤ وقوله: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} ٥.

يعني يوم أخذ عليهم الميثاق -سبحانه وتعالى- صور النسم، وقدر خلقها، وأجلها، وأعمالها، واستخرج تلك الصور من مادتها، ثم أعادها إليها، وقدر خروج كل فرد من أفرادها في وقته المقدر له كما قال أبو محمد بن حزم.

نعم الرب -سبحانه- يخلق منها جملة بعد جملة على الوجه الذي سبق به التقدير أولا، فيجيء الخلق الخارجي مطابقا للتقدير السابق كشأنه -سبحانه وتعالى- في جميع مخلوقاته، قدر لها أقدارا وآجالا وصفات وهيئات، ثم أبرزها في الوجود مطابقة لذلك التقدير الذي قدره لها لا تزيد عليه ولا تنقص عنه. وأخذ عليهم الميثاق بالتوحيد، وترك الأنداد، فلا تناقض حينئذ بين الآية والأحاديث؛ لأن ما في الآية لا ينافي المسح على ظهر آدم، ولا في الأحاديث ما ينفي خروج الذرية من ظهور بني آدم، وإنما سبقت الآية ببيان ما وقع من أخذ الميثاق، وبروز الذرية من ظهور بني آدم، وهذا لا يخالف ما في الأحاديث المذكورة من أن الله -تعالى- خلق آدم، ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية، فإن الذرية المستخرجة من ظهور بني آدم هي بواسطة مسح ظهر أبيهم، فخرج من ظهره ذرية بلا واسطة، وخرج من ظهور ذريته ذرياتهم بواسطة مسح ظهر أبيهم، ويصدق عليهم جميعا أنهم استخرجوا من ظهر آدم بواسطة، وبلا واسطة، وهكذا حكم كل فرع مع أصله.

فالآية الكريمة فصلت ما أجملته الأحاديث من الإخراج، وبينت كيفيته، وبينت الأحاديث أن أخذ الذرية من ظهور بني آدم بواسطة مسح ظهر أبيهم،


١ سورة الأعراف آية: ١٧٢.
٢ سورة الأعراف آية: ١٧٣.
٣ سورة الأعراف آية: ١٧٢.
٤ سورة آل عمران آية: ٨٣.
٥ سورة الأنعام آية: ١٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>