للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي له الحكم والأمر والأبدان يخلف ما خوله في هذه الدّار وراء ظهره، ويأتي فردًا بلا أهلٍ ولا مالٍ ولا عشيرةٍ، ولكن بالحسنات والسّيّئات، ومَن هذه حاله لا يفرح بموجودٍ ولا يأسف على مفقودٍ، وإذا علم المؤمن علم يقين أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه هانت عليه المصيبة. وقد قيل:

ما قد قضي يا نفس فاصطبري له ... ولك الأمان من الذي لم يقدر

ولتعلمي أنّ المقدر كائن ... يجري عليك عذرت أو لم تعذري

ومن صفات المؤمن أنّه عند الزّلازل وقور، وفي الرّخاء شكور، ومما يخفّف المصائب بردّ التّأسي فانظروا يمينًا وشمالًا، وأمامًا ووراء فإنّكم لا تجدون إلّا مَن قد وقع به ما هو أعظم من مصيبتكم أو مثلها أو قريب منها ولم يبق إلّا التفاوت في عوض الفائت، نعوذ بالله من الخسران، ولو أمعن البصير نظره في هذا العالم جميعه لم ير إلّا مبتلى إمّا بفوات محبوب أو حصول مكروه، وأنّ سرور الدّنيا أحلام ليل أو كظلٍّ زائلٍ، إن أضحكت قليلًا أبكت كثيرًا، وإن أحسنت حينًا أساءت دهرًا، جمعها إلى انصداع، ووصلها إلى انقطاع، إقبالها خديعة، وإدبارها فجيعة، لا تدوم أحوالها، ولا يسلم نزالها، حالها انتقال، وسكونها زلزال، غرّارة خدوع، معطية منوع، ملبسة نزوع، ويكفي في هوانها على الله أنّه لا يعطي إلّا فيها، ولا ينال ما عنده إلّا بتركها، مع أنّ المصائب من حيث هي رحمة للمؤمن وزيادة في درجاته، كما قال بعض السّلف: لولا مصائب الدّنيا وردنا الآخرة مفاليس، والرّبّ سبحانه لم يرسل البلاء لعبده ليهلكه ولا ليعذّبه، ولكن امتحانًا لصبره ورضاه عنه، واختبارًا لإيمانه،

<<  <  ج: ص:  >  >>