للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لعن الحيوان كذلك؛ وسبب ذلك: أن اللعن عبارة عن الطرد والإبعاد عن الله، وذلك غير جائز إلا مَنْ اتصف بصفة يبعده عن الله -تعالى- وهو الكفر والبدعة والفسوق، فيجوز لعن المتصف بواحدة من هذا باعتبار الوصف الأعم، نحو: لعنة الله على الكافرين والمبتدعة والفسقة، والوصف الأخص نحو: لعن الله اليهود والخوارج والقدرية والروافض والزناة والظلمة وآكلي الربا، وأما المُعَيَّنُ فإن كان حيا لم يجز مطلقا إلا إن علم أنه يموت على الكفر كإبليس، وإن لم يعلم موته على الكفر لم يجز لعنه، وإن كان كافرا في الحال؛ لأنه ربما يسلم فيموت مقربا عند الله -تعالى- فكيف يُحكم بكونه ملعونا مطرودا.

نعم يجوز أن يقال: لعنه الله إن مات كافرا، وكذا قال في فاسق ومبتدع معين، إن مات ولم يتب، ومن ثم لم يجز لعنُ يزيد بن معاوية. وتشبيه لعن المؤمن بقتله إنما هو في أصل التحريم، أو لكون كل منهما كبيرة، وليس بلازم في المشبه أن يعطى حكم المشبه به من كل وجه. والله أعلم.

(مسألة): في قوله في حديث ابن عباس الذي رواه البخاري في حديث القبرين: "إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير"١، ثم قال: "بلى إنه كبير"، وفيه: "ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين فوضع على كل قبر منهما كسرة. فقيل: يا رسول الله، لِمَ فعلتَ هذا؟ فقال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا"٢، ما الحكمة في ذلك؟ وهل لكل أحد أن يفعل ذلك في أيّ قبر؟ وهل المعذبان مسلمان أو كافران؟

(الجواب): قوله: وما يعذبان في كبير) ثم قال: بلى أي: يعذبان في كبير، والجمع بينهما: أي ليس بكبير عندكم، ولكنه كبير عند الله كما في قوله تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} ٣. والمراد بقوله: وما يعذبان في كبير)، أي: في أمر كان يكبر ويشق عليهما الاحتراز منه؛ إذ لا مشقة في


١ البخاري: الوضوء (٢١٦) والجنائز (١٣٦١,١٣٧٨) والأدب (٦٠٥٢,٦٠٥٥) , ومسلم: الطهارة (٢٩٢) , والترمذي: الطهارة (٧٠) , والنسائي: الطهارة (٣١) والجنائز (٢٠٦٨) , وأبو داود: الطهارة (٢٠) , وابن ماجه: الطهارة وسننها (٣٤٧) , وأحمد (١/ ٢٢٥) , والدارمي: الطهارة (٧٣٩).
٢ البخاري: الوضوء (٢١٦) , ومسلم: الطهارة (٢٩٢) , والترمذي: الطهارة (٧٠) , والنسائي: الطهارة (٣١) والجنائز (٢٠٦٨) , وابن ماجه: الطهارة وسننها (٣٤٧) , وأحمد (١/ ٢٢٥) , والدارمي: الطهارة (٧٣٩).
٣ سورة النور آية: ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>