للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أموال الله التي بأيديكم آلة له ووقاية وإعانة؛ فإن هذا من أفرض الفرائض وألزمها، ولم تشرع الإمامة والإمارة إلا لأجل ذلك، والقيام به.

وبقاء الإسلام والإيمان في استقامة الولاة والأئمة على ذلك، وزوال الإسلام والإيمان وانقضاؤه بانحرافهم عن ذلك، وجعل الهمة والأموال والقوة مصروفة في غيره، مقصودا به سواه من العلو والرياسة والشهوات.

ولذلك وقع في آخر بني العباس ما وقع من الخلل والزلل، واشتدت غربة الإسلام، وظهرت البدع العظام، وأظهر الكفر أعلامه وشعاره، وبنيت المساجد على القبور، وأسرجت عليها السرج، وأرخيت عليها الستور، وهتف أكثر الناس في الشدة بسكان القبور، وذبحوا لها القرابين ونذرت لها النذور، وبنيت الهياكل للنجوم، وخاطبها بالحوائج كل مشرك ظلوم. وسرى هذا في الناس حتى فعله من يظن أنه من الأخيار والأكياس، وكثير منهم يظن أن هذا هو الإسلام، وأنه مما جاء به سيد الأنام، عليه أفضل الصلاة والسلام. وهل وقع ذلك وصار على تطاول الدهر والأعصار إلا بسبب إهمال الرؤساء والملوك الذين استكبروا في الأرض، ولم يرفعوا رأسا بما جاءت به الأنبياء، وقنعوا بمجرد الاسم والانتساب من غير حقيقة.

قال الله -تعالى-: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ} ١ الآية.

[واجب الولاة المحافظة على دين الرعية]

فأهم المهمات وآكد الأصول والواجبات، التفكر في هذا، وتفقد الرعية، الخاصة والعامة، البادية والحاضرة، لأنك مسؤول عنهم، والسؤال يقع -أولا- عن الدين قبل الدنيا، وفي الحديث: "كلكم راع وكل مسئول عن رعيته"٢، وفي الحديث الصحيح: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما


١ سورة غافر آية: ٤٧.
٢ البخاري: الجمعة (٨٩٣) , ومسلم: الإمارة (١٨٢٩) , والترمذي: الجهاد (١٧٠٥) , وأبو داود: الخراج والإمارة والفيء (٢٩٢٨) , وأحمد (٢/ ١٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>