للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان القبض على الجوهري (١) وقتله سنة ٦٣٩/ ١٢٤٢، ووقع البيت في نفس الملك موقعا حسنا وحرك عزمه على التخلص من الللياني، فأحضر أشياخ الراي وقال: اسمعوا ما قال الغساني، وأخذ يردد البيت، ثم قال: ينبغي ألا يرجع عن هذا، اقبضوا على الللياني لنرضي به الله والخاصة والعامة، فقبض عليه ومن الغد قبض على ابن العطار الذي كان متوليا إشراف (٢) تونس ثم إشراف بجاية ثم ولي مختص الحضرة، وأودعا في مكان واحد بالقصبة، وتولى ضربهما وطلب المال منهما أبو زيد المحتسب ابن يغمور الهنتاتي، يركب كل واحد منهما وهو مكبل بقيوده حمارا، ويخرجان من الباب الكبير بالقصبة، فيحمل الللياني إلى دار الأشراف وابن العطار إلى دار المختص وكل يوم تؤخذ الأموال من الللياني، واستمر عليه العذاب والسلب لماله من محرم إلى رجب حتى أخذ منه - على ما قيل - نحو ثلاثمائة ألف دينار.

ولما شعر المستنصر بأن مال الضحية نفد أمر بحمله إلى دار السكة وبموالاة العذاب عليه إلى أن مات، ودفع إلى هلال كبير الموالي من العلوج فضربه إلى أن قتله، وقذفت جثته إلى الصبيان يجرونها حتى رموها في البحيرة، ثم تتبع أقاربه وذويه بالنكال وشهوة الانتقام والتنكيل لا حد لها عند النفوس الشريرة المريضة من شكل الطاغية المستنصر.

وبعد وفاته طلب التجار الفرنسيون الملك المستنصر بأداء ثلاثمائة ألف دينار مقدار ما اقترضه منهم الللياني، ولم يدلوا بأي مستند فامتنع المستنصر من الدفع، فاشتكوا إلى ملكهم القديس لويس التاسع، وأغروه


(١) هو محمد الجوهري صاحب الأشغال (وزارة المالية) بتونس، وهو أول من تولى النظر في دار الأشغال من غير الموحدين، ولاّه أبو زكرياء الأول الحفصي ثم دارت عليه الدوائر فأودع بالقصبة، وعذب لاستخراج الأموال منه فلم يظهر منها شيئا، وللتخلص من العذاب مات منتحرا مختنقا بعمامته. يراجع مثلا تاريخ الدولتين ٢٢.
(٢) الإشراف هو وظيفة مدير القمارق في العصر الحفصي، والمتولي لهذه الخطة يسمى المشرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>