للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ميزاب، وغداة نفيه أصبحت البلاد التونسية مضربة عن العمل، وقامت مظاهرات في المدن شتتها البوليس بقسوة وعنف.

وقضى بعناية بضعة أيام ثم انتقل إلى قسنطينة، ولبث بها أسبوعا اجتمع فيها بالشيخ مبارك الميلي الذي لديه معرفة سابقة به، والشيخ عبد الحميد بن باديس، وغيرهما، ودارت بينهم شجون من الأحاديث ثم بارح قسنطينة إلى الجزائر العاصمة، وفيها قضى ليلته الأولى في فندق متواضع قرب حديقة، وفي الصباح لما نزل من البيت إلى البهو وجد في انتظاره محمد الموهوب، ومحمد رضا الأكحل وهما ابنا بنات عمه قدور المدني، وقد بحثا عنه قبل ذلك في الفنادق المحيطة بالحديقة وذهبا به إلى منزل السيد إبراهيم الموهوب (والد الشخص الأول) وهو رجل من الطبقة البورجوازية الثرية يعيش عيشة مترفة، وخصص له غرفة في منزله، وجعل له مقرا مؤقتا بمتجره الفسيح يغشاه صباح كل يوم للتعرف بالناس، وقصده هناك جماعة كان لهم الحظ الأوفر فيما بعد في نجاح الحركات التي كوّنها أو التي شارك فيها. وكان - كعادته - يسجل يوميا ما سمع، ويرسم صورة لمن عرف من الرجال، وما سمع من الأفكار، وبعد شهر ونيف أقام له جماعة المجلس البلدي بالعاصمة حفل تكريم بمناسبة عودته للجزائر بعد مغادرة أهله لها منذ ما يزيد عن الستين سنة، وأقيم الحفل في مقهى من أفخر مقاهي ومطاعم الضواهي الجزائرية، وخطب في الحفل من رحب به ونوّه بمكانة العائلة وعودة الدر إلى معدنه، وبعد ذلك وقف خطيبا وأطنب في ذكر أريحية الأجواد ومروءة المجاهدين، ونوه بمكانة الدين ولغة الضاد في حياتهم وتكوينهم وبمكانة وطنهم ذي الشرف التليد، ودعاهم إلى النظر إلى المستقبل، وأن النصر بالإيمان والعمل والكفاح، إلى غير ذلك من المعاني التي تحفز الهمم للعمل الجدي المثمر، والتي تغرس الكرامة والاعتزاز في النفوس.

أرادت الحكومة الجزائرية أن تغلله بقيد من قيود الوظيف يضمن

<<  <  ج: ص:  >  >>