للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الآخرة في الظلام، فضربه ليلة من الليالي بكفّه على أحد خدّيه لأنه توقف في كلمة بعد كلمة ولم يضربه إلا هذه المرة وبقي يقرأ وهو يبكي فوقفت والدته على الباب من خارج وبكت لبكائه، فلما سمع بكاءها أسكته وقال: يا عائشة أنت التي عملت له هذا أخرجته معك إلى الزرع فبقي عن أسواره ضائعا أزيد من شهر وطلبت منك ألاّ تفعلي ذلك فأبيت وقلت لا أقدر على فراقه ولولا هذا ما يخصّه شيء، فقالت يا سيدي: وبكائي عليه لوجه آخر وهو كونه طفلا صغيرا يقرأ في الظلام كل ليلة ولم تتركني أشعل المصباح فيما مضى فأمرها بإشعاله فيما يأتي (٤).

وبعد حفظ القرآن قرأ العلم على شيوخ القيروان منهم القاضي محمد بن قليل الهمّ، ومحمد بن فندار، وأحمد بن سلامة الموساوي الوسلاتي الفقيه بداره، وعلي بن حسن الزياتي المعروف بابن قيراط، ومحمد الرماح، وقرأ الرسالة على قاضي القيروان الشيخ محمد بن أبي بكر الفاسي، وكان يخرج من عنده ليقرأها على الشيخ عبد الله الشبيبي، وكان هذا يطول بالوعظ وقراءة الرقائق، وكان المترجم يحفظ كل يوم شيئا من مختصر ابن الحاجب، وحدّثه عمّه خليفة أن شيخه القاضي الفاسي قال له إن بقي ابن أخيك يقرأ يكون منه مالك الصغير (٥).

لما توفي شيخه محمد بن أبي بكر الفاسي قاضي القيروان، وتولى عوضه قاضيا محمد بن قليل الهمّ بادر عند وصوله إلى القيروان أن عمل الميعاد فيها بكرة، فحضر معظم أصحاب ابن ناجي ثم ينصرفون إذا فرغوا إلى مواعيدهم، وحضر المترجم. وفي أول حضوره لم يجد موضعا يجلس فيه لكثرتهم فجلس خلفهم، فتكلم كثيرا ثم


(٤) معالم الإيمان ٤/ ١٩٤ - ١٩٥.
(٥) معالم الإيمان ٤/ ١٩٧ - ١٩٨ في ترجمة عمّه.

<<  <  ج: ص:  >  >>