للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

القاسم بن يونس السدويكثسي».ومن شيوخه بجربة العلامة أبو يحيى زكرياء بن إبراهيم الهواري، ثم رحل مرة ثانية إلى جبل نفوسه فأخذ عن أبي يوسف يعقوب بن صالح الجناوي علامة أجناون (١). ولما ارتحل شيخه هذا إلى جربة بقي هو بجبل نفوسة ملازما العلامة إبراهيم بن أحمد من سلالة أبي منصور إلياس التندميري النفوسي الإمام المشهور عامل الإمام أفلح بن عبد الوهاب الرستمي، أخذ عنه المعقول كالمنطق والبيان حتى برع فيها ونبغ ثم ارتحل إلى مصر، وكان موجودا بها في عام ٩١٣/ ١٥٠٧، ولقي بها علي بن إبراهيم الكيلاني بلدا ومنشأ المصري دارا وسكنا، وقرأ عليه ايساغوجي لاثير الدين الأبهري في المنطق. والظاهر أنه ارتحل إلى مصر وهو شاب، ولا ندري أكان ذلك بعد رحلته الأولى إلى جبل نفوسة أم بعد رحلته الثانية. وعند ما عاد إلى جربة انتصب للتدريس والوعظ، وأحرز شهرة وصيتا والتف حوله سكان الجزيرة لما امتاز به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وفي سنة ٩٦١/ ١٥٥٤ ارتحل إلى وادي ميزاب فأخذ عن العلامة عيسى بن إسماعيل المليكي الميزابي، وعن الشيخ سعيد بن علي الخيري الجربي الشهير في غرداية بعمي سعيد.

ولما عاد من هذه الرحلة إلى جزيرة جربة التف حوله الناس وأصبح زعيمهم الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، المنفذ للأحكام والساهر على أمن الجماهير وراحتها.

ويبدو أنه آخر من تولى رئاسة مجلس العزّابة. وكان لغزارة علمه وقوة شخصيته وصلابة إرادته يبدو وكأنه يقف في الميدان منفردا يتولى جميع الشئون وهذا ما عبر عنه العلامة أبو إسحاق أطفيش بقوله: «حتى كان في مكانته بمنزلة الإمام العامل في تنفيذ الأحكام، والسهر على أمن الأمة وراحتها، والحقيقة أن مجلس العزابة يقوم في طور الكتمان بعمل الحكومة الجمهورية، وشيخ العزابة يكون بمثابة رئيس الجمهورية والإمام العادل ينفذ الأحكام، ويصدر الأوامر ويتولى جميع الشئون التي يقررها المجلس. على أن ظروف الحياة في جربة قد اضطرت مجلس العزابة أن يدخل بعض التعديل على نظامه، فخالف بذلك نظام العزابة المعروف في جبل نفوسه (ليبيا)، ونظام العزابة المعروف عند الإباضية في وادي ميزاب (الجزائر)، وذلك أن المجلس يختار من أعضائه شيخا يسمى شيخ الحكم يسند إليه القيام بالشئون السياسية والدينية تحت استشارة مجلس العزابة. وهذا الشيخ أصبح لا تتوفر فيه شروط العزابة ولا يكون عضوا في الحلقة، وإنما يكون غالبا كإمام دفاع في حالات الحرب، وكواسطة بين الطائفة الإباضية والدول الظالمة لجمع الضرائب بالطريقة التي يقررها مجلس العزابة، ويسلمها لعمال الدولة الحاكمة، وذلك حتى لا يكون التعاون المباشر بين حلقة العزابة والحكام الظالمين.

وهذا التعديل الذي أدت إليه ظروف خاصة في جربة أجري - حسب الظن الغالب -


(١) بفتح الهمزة والجيم والواو وتشديد النون، لفظ بربري معناه الجنان جمع أجنة وجنة، وهي من أجمل قرى جبل نفوسة، بها عين ثرة تسقي القرية وحدائقها الغناء.

<<  <  ج: ص:  >  >>