للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بعد القرن التاسع، للهجرة. ويدل على إجراء هذا التعديل كلمة داود التلاتلي المترجم له حين استجواب درغوث باشا له: «نحن جماعة العزابة ليس بايدينا ولا إلينا تولية الأمراء وعزلهم».

والحقيقة أن مجلس العزابة في جربة بدأ يتخلى ويضعف عن مزاولة اختصاصاته فكانت تسلب منه شيئا فشيئا كما سلبت منه الرئاسة السياسية والمدنية. وقد يتولى في بعض الأحيان بعض كبار العلماء رئاسة المجلس فينتعش كما انتعش في عهد المترجم له. وعهد شيخ المشايخ يونس بن تعاريت وغيرهما. كانت جربة في عهد المترجم له تابعة لحكم درغوث باشا صاحب طرابلس، وارتكب عماله العسف والجور، وحاول أهل جربة جعلها تابعة لحكم تونس (١)، فلما سمع بذلك درغوث باشا جهز حملة عسكرية ونزل ببرج القشتيل، وفتك بالثائرين. وفي ثالث يوم من الهزيمة أتى موسي بن أبي عمر بن أبي الجلود شيخ الحكم إلى المترجم له مع جماعة من الجند فقال له: «لو سرت معنا إلى درغوث لنتكلم مع الضعفاء».فقال له: «نحن جماعة العزابة».فسار معه فكلمه درغوث في مخالفة جربة وما كان من أهلها، فقال له الشيخ التلاتلي: «نحن جماعة العزابة ليس بايدينا ولا إلينا تولية الأمراء ولا عزلهم في هذا الزمان».فقال له درغوث: «بل أنتم أدخلتم (حاصرتم) مسعودا (أي السمومني) وأفسدتم البلاد وفعلتم وفعلتم».فقال الشخ «ما فعلنا إلاّ الخير، ولسنا من أهل الشر، بل الفساد من قبلك لتقديمك الأسافل وغير ذلك».وفي هذا الجواب صدق وجرأة يدلان على شجاعة أدبية كبيرة.

فأخذ درغوث الشيخ وسجنه نحو شهر، ثم قتله لكثرة الطعن فيه من النكرة والحسدة، وذلك في أول جمادى الأولى.

ويبدو من هذا أن المترجم له بمكانته الدينية ورئاسة مجلس العزابة قام بدور كبير في إضرام نار الثورة على حكم درغوث باشا، والتفاوض مع الحكومة بتونس لإرجاع جربة إلى رحابها، يضاف إلى هذا ما قام به خصومه الدينيون (الإباضية النكارة) وخصومه السياسيون من السعايات والدسائس. ودفن في غابة بركوك على تخوم حومة والغ، وأقيم الجامع الذي سمي باسمه حول ضريحه.


(١) في «مؤنس الأحبة» أن درغوث أمر بصلب التلاتلي في أول الجماديين سنة سبع وتسعين وتسعمائة، هكذا مضبوطة بلسان القلم، والصواب: سنة سبع وستين (بتقديم السين على التاء) وأعاد نفس الخطأ في ص ١١٤ عند الكلام على حملة درغوث الانتقامية من أهل جربة، هذا مع العلم بأن درغوث توفي سنة ٩٧٣/ ١٥٦٥، فكيف تصح نسبة أحداث له بعد وفاته بنحو أربع وعشرين سنة؟ وذكر أن الجربيين أرادوا أن تكون جزيرتهم تابعة لحكم الأتراك بتونس، ومن المعروف إن بداية حكمهم كانت سنة ٩٨١/ ١٥٧٣.وغفل عن هذا محقق الكتاب الأستاذ محمد المرزوقي وفي نشرة أكزيقا قيصر Exiga Cesar لمؤنس الأحبة ص ١٠ أن التلاتلي قتل سنة سبع وستين وتسعمائة، وهذا هو القول المعتمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>