للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جفاف العلم بل يحليها برونق البيان وجمال التصوير ودقته مما يقربها إلى النفوس لتمكنه من عبقرية اللغة وبراعة الأداء، وبما له من موهبة أدبية عالية تجيد تصوير الاغراض والمعاني، وتعرف بدقة ما يؤثر على النفس ويجلب انتباهها ويشوقها للمتابعة. وكان يلقي هذه المحاضرات ارتجالا مكتفيا بوضع مذكرة صغيرة أمامه، فكان محل تعجب وتقدير من مستمعيه لما رأوا فيه من قوة تركيز ذاكرته، والتنظيم الجيد لعناصر المحاضرة، والبعد عن الحشو والاستطراد وغزارة الاطلاع التي لا مثيل لها بين معاصريه.

وقد فتح بهذه المحاضرات المجال واسعا لفهم السياسة الدولية وسير منعرجاتها والقاء الاضواء الكاشفة على دروبها المظلمة، وهذه المحاضرات تدل على اطلاعه الواسع وفكره النير وفهمه الدقيق وذوقه الرشيق، وكان يحضرها تلاميذ الزيتونة وبعض تلاميذ المدرسة الصادقية وأهل العلم والأدب وبعض الذوات المرموقة كوزير متقاعد والمستشرق الايطالي قويدو مدينة وغيرهم.

وكان فذا بين مدرسي الزيتونة لا يشاركه أحد في سعة معارفه وثقافته الحديثة وغزارة اطلاعه وسمو اخلاقه قرأت عليه في التعليم العالي شرح السعد التفتازاني على العقائد النسفية وتاريخ الفرق الاسلامية وفيهما سمعنا الاسلوب الجديد والمعلومات الغزيرة، ففي درس العقائد كان كثيرا ما يقارن بين آراء المتكلمين والفلاسفة كابن سينا والفارابي وابن طفيل وابن رشد، وفي درس تاريخ الفرق سمعت منه من غزارة التحليل ودقة التعليل وسعة الاطلاع ما وددت أن تكون حصة الدرس ثلاث مرات في الأسبوع لا مرة واحدة مع أني لست خالي الذهن عن تاريخ الفرق فقد كنت طالعت التبصير في الدين للاسفراييني وما كتبه المستشرق كارا دي فو في كتابه «مفكر والاسلام».

كان عضوا بمجمع اللغة العربية في القاهرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>