للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تفكيره واستمرت هذه الصداقة إلى وفاته فقد كاتبني قبل موته بنحو أربعة أشهر، وعلا هذه الصداقة غبار لم يتجاوز المرتين لاختلاف جزئي في التفكير والاتجاه لكنه سرعان ما ينقشع لصدق النوايا.

كنت وأنا تلميذ أتحادث معه في مختلف الشئون الأدبية والفكرية والسياسية، وكان يطرفني بالجديد الذي لا أعلم. تحادثت معه مرة عن الإمام فخر الدين الرازي فأفادني بأن له ترجمة في «الوافي بالوفيات» للصفدي وذكر لي أن منه أجزاء كثيرة مخطوطة في المكتبة العبدلية الزيتونية (نقلت كتبها المخطوطة إلى الجامعة التونسية في عهد وزير التربية القومية الأستاذ محمود المسعدي) وفي أول فرصة بادرت بالذهاب إلى المكتبة وطلبت جزءين من الكتاب وهو من المخطوطات النادرة التي لا تسلّم للتلامذة، وأشعرني بذلك الموزعون بالمكتبة، وكان المشرف عليها شيخنا محمد الوزير الذي كان موجودا بها في ذلك اليوم من حسن الحظ فقابلته وأبديت له رغبتي في مطالعة الكتاب، وبعد تردد لبى رغبتي مشكورا، وأعلمني بأن أطالعه في القاعة الخاصة بالمشايخ المدرّسين لئلا يشعر أحد من الطلاب بأني أطالع الكتاب، وقال لي: «إن القانون يمنع إعارة الكتاب لأمثالك» ولكن نظرا لما يعلم من صدقي واجتهادي يعيرني إياه مع التوصية بكامل الصيانة للكتاب لأنه نفيس جدا ونادر الوجود.

ويطول المقام عما استفدت منه خلال محادثاتنا، ومنه علمت أسماء هذه الكتب: «الدرر الكامنة» للحافظ ابن حجر، و «الضوء اللامع» للسخاوي، و «المدارك» للقاضي عياض، وقد طالعت بعض أجزاء من هذه الكتب وأنا في طور التلمذة.

وكان لا يبدي تعاليا في المناقشة وكثيرا ما يقول لي، أنت حرفي آرائك، إذا خالفته في بعض الآراء، وهذا الخلاف غالبا له صلة بالأدب الحديث كأدب جبران أو بالسياسة.

وكانت أحاديثنا لا تقتصر على ناحية معيّنة ففيها الأدب والتاريخ والسياسة والثقافة الإسلامية وكان لا يخفي بعض الأحداث والمضايقات التي لحقته في حياته اليومية يحكيها متألما وبرغم ذلك لا يحيد عن مبدئه ولا يلين لأنه كان في هذه الناحية صعب المراس، معتدّا بشخصيته متمسكا بمبادئه لا يساوم عليها ولا يقبل التنازل عنها ولو دميت قدماه ولم يجد الطريق أمامه مفروشا بالورد.

وفي مجال ما خاضه من معارك قلمية وعلى الخصوص مع الأستاذ محجوب بن ميلاد يقول لي: أنا رجل شريف في خصوماتي لا أتنازل إلى الإسفاف والفوه بما لا يليق أو ذكر كل ما أعلم عن الشخص.

وحكى لي أنه كان مغرما بالمطالعة وبالخصوص في كتب الحديث الشريف وتاريخ تونس قبل أن يلتحق بجامع الزيتونة وأتذكر أنه قال لي مرة أنه كان يلتحق بالشيخ الطاهر ابن عاشور عند مروره بالأنهج القريبة من جامع الزيتونة أو الديوان الشرعي ليسأله عن معنى حديث أو

<<  <  ج: ص:  >  >>