للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمُرسِيَةَ عامَ ثلاثة وخمسينَ وخمس مئة، وله في الأبنِية مصنَّف نافع، واستُقضيَ بغير مَوْضِع (١) وعُرِف بالطّهارة والجَزالة في أحكامِه.

قال أبو القاسم بنُ فَزقد: سألنا من القاضي العالِم أبي محمد بن حَوْطِ الله أن نسمَعَ منه كتابَ السِّيرة، قال: فأسمَعَنا منه دُوَلًا، ثُم لمّا كان ذاتَ يوم رَمَى من يدِه [١٦ ظ]، الكتابَ، وقال: أرى أنّ هذا خِيانة، قُلنا: وما ذاك يا سيِّدَنا؟ قال: الذي أعتمِدُ عليه في سَماع هذا الكتابِ منه قد وَصَلَ، فقوموا بنا إليه، قال: فحَمَلَنا إلى خارج البلدِ من جهة النَّهر الأعظم وأدخَلَنا على أبي محمد عبد المُنعِم ابن الفَرَس في خِبَائه وقُدِّر أنْ سَمِعنا عليه والحمدُ لله، قال أبو القاسم: فشاهَدْتُ من أبي محمد عبد المُنعِم من الذّكاءِ والإدراكِ ما لم أعهد مِن غيرِه، ورأيتُ مناظَراتٍ أُخَرَ وكأنّي لم ألقَ قبلَه أحدًا، في كلامٍ غيرِ هذا.

وقال أبو الرَّبيع بن سالم: سَمِعتُ أبا بكر بنَ الجَدِّ، وحَسْبُكَ به شاهدًا في هذا الباب، يقولُ غيرَ مرّة: ما أعلمُ بالأندَلُس أحفَظَ لمذهبِ مالك من عبد المُنعِم ابن الفَرَس بعدَ أبي عبد الله بن زَرْقُون.

وكان المنصُورُ من بني عبد المؤمن كلّما وقَعَتْ إليه مسألة غريبة وقَدَّر شذوذَها، ذِكرًا أو فَهْمًا، عن الحاضِرينَ بمجلسِه من أهل العلم -وكان أبو محمدٍ هذا من أجَلِّهم- أجرى ذكْرَها بينَهم، فوقَعَت المُذاكَرةُ فيها بينَهم، حتّى إذا استَوفى كلٌّ منهم ذكْرَ ما حضره فيها استَشْرفَ المنصُورُ إلى الشُّفوف عليهم


(١) هامش ح: ولي قضاء جزيرة شقر ثم وادي آش ثم جيان ثم غرناطة ثم عزل عنها ثم وليها الولاية التي كان من بعض ظهيره بها قول المنصور له: أقول لك ما قاله موسى عليه السلام لأخيه هارون: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف: ١٤٢] وجعل إليه النظر في الحسبة والشرطة وغير ذلك فكان له النظر في الدماء فما دونها، ولم يكن يُقطع أمر دونه ببلده وما يرجع إلى نظره وقام في ذلك أحسن قيام وظهرت سيرته. اهـ. وهذا النص مأخوذ عن صلة الصلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>