للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَوى عنه أبَوا بكر: ابنُ أبي جَمْرةَ ومُفوَّز بن طاهر، وأبو الخَطّاب بن واجِما، وآباءُ عبد الله: الأَنْدَرْشيّ وابن سَعادةَ المُعَمَّر، وابنُ أخيه، وأبو عُمرَ بن عاتٍ، وأبو القاسم بن البَرَّاق، وأبَوا محمد: عبدُ المُنعِم ابن الفَرَس وغَلْبُون.

وكان فقيهًا حافظًا للمسائل مَعْنيًّا بالرأي، معروفًا بالفَهْم والإتقان [٢٨ و] بصيرًا بالفتوى، أنجَبَ تَلامذةِ أبي محمد بن أبي جعفر، وشُوورَ ببلده وببَلَنْسِيَةَ، وشَرَحَ "المُدوَّنةَ" مسألةَ مسألة بكتابٍ كبير سمّاه: "الجامعَ البسيط وبُغْيةَ الطالبِ النَّشيط" بَلَغَ فيه إلى كتابِ الشهادات، في نحو مئة جُزء، حَشَدَ فيه أقوالَ الفقهاء ورَجَّح بعضَها واحتَجَّ له، وتوفِّي قبلَ إكمالِه.

قال أبو إسحاقَ بن قريعات: قلتُ لأبي سُليمانَ بن حَوْطِ الله: هل رأيتَ أحفَظَ من أبي بكر ابن الجَدِّ؟ قال: نعَمْ، رأيتُ عاشِرًا، وكان أحفَظَ منه.

واستَقْضاهُ أبو محمد عبدُ المُنعِم بن سَمَجُونَ على باغُه أيامَ قضائه بغَرْناطةَ، ثم صحِبَه إذ استُقضيَ بإشبيلِتةَ فاستَقْضاه ببعض المُدُن الغربيّة ولازَمَه مُدّة، ثم عاد إلى شرقِ الأندَلُس فتعرَّفَ به أبو زكريّا بنُ غانيةَ وجَلَّ عنده وحَظِيَ لديه، وقدَّمه ببَلَنْسِيَةَ إلى خُطّة الشُّورى فكان بها رأسَ المُشاوَرِينَ وإليه كانت تُرَدُّ صِعَابُ المسائل ومُشكلاتُها، ثُم استَقْضاه بمُرسِيَةَ وأعمالِها في أواخِر تسع وعشرينَ فبقيَ قاضيَا لهم بها إلى انقراضِ دولة أهلِه اللَّمْتُونيِّينَ منها في أواخر تسع وثلاثينَ وخمس مئة، فصُرفَ أجملَ صَرف، واستقَرَّ بشاطبةَ يُدرِّسُ الفقة ويُسمعُ الحديث، وعليه كان مدارُ المُناظرة لغَزارةِ حفظِه وتمكُّن معرفتِه وتفنُّنِه في العلوم وإيرادِه الأخبارَ والنّوادر. وكان يُكاتبُ الإمامَ أبا القاسم ابنَ وَرد في ما عسى أن يُشكِلَ عليه من نَوازلِ الأحكام فيُجيبُه أبو القاسم، وجمَعَ من ذلك ومن أجوِبة أبي الوليد بن رُشْد "ديواناً" مُفيدًا؛ وكانت بينَه وبينَ أبي جعفر بن أبي جعفرٍ وَحْشةٌ أيامَ استقضاءِ أبي محمد بمُرْسِيَة، فلمّا ثار أبو جعفرٍ بها أرسَلَ فيه، فظَنَّ بعضُ حَسَدتِه أنه إنّما بعَثَ ليَنالَه بمكروه، فلمّا دخَلَ عليه قام له بإكرام حَفيل وبِرّ واسع، ولاطَفَه أجملَ مُلاطَفة ونَدَبَه إلى الدخول معَه

<<  <  ج: ص:  >  >>