للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنَاةَ بن تَمِيم بن مُرِّ بن أُدِّ بن طابخةَ بن إلياسَ بن مُضَرَ بن نِزَار بن مَعَدِّ بن عدنانَ التَّميميُّ العَبّاديُّ، قُرطُبيّ، أبو المَخْشِيّ؛ وأبوه زيدٌ هو الداخِلُ من المشرِق إلى الأندَلُس.

كان شاعرًا مطبوعًا مجوِّدًا حُلوَ الألفاظ بارعَ المعاني، وكان مُنقطِعًا إلى سُليمانَ بن عبد الرّحمن بن مُعاويةَ، وكان هِشَامُ بن عبد الرّحمن يَشْنَؤُهُ لانقطاعِه إلى أخيه فبُغِيَ عليه عندَه، وأُنشِدَ له أبياتٌ فيه قيل: إنّها صنِعَت على لسانِه، وإنّما له منها بيتٌ واحدٌ قصَدَ به معنًى فحَرَّفَه الساعي عليه إلى غيرِه، وهو [الوافر]:

وليس كشانئ إن سِيْلَ عُرفًا ... يُقلِّبُ مُقلةً فيها اعوِرَارُ

وكان هشام أحوَلَ، فقيل له: إنّما عَرَّضَ بك ولم يُرِد سِواك، فاغتَمَّ [٢٩ و] لذلك، وكان واليًا بماردَةَ، فأعمَلَ الحِيلةَ فيه حتى سِيقَ إليه فأمَرَ بقَطْع لسانِه وسَمْل عينَيْه. ولمّا بَلَغَ ذلك الإمامَ عبدَ الرّحمن شَقَّ عليه ما ارتكَبَه ابنُه هشامٌ من أبي المَخْشِيّ وكتَبَ إليه يُعنِّفُه ويُقبِّحُ فعلَه، وصار أبو المَخْشِيِّ بعدَ ذلك يتكلّمُ كلامًا ضعيفًا وبَقِي أعمى، وفي ذلك يقول (١) [الرمل]:

خَضَعَتْ أُمُّ بناتي للعِدَى ... أَنْ قضَى اللهُ قضاءً فمضَى

ورأَتْ أعمى ضَريرًا إنّما ... مَشْيُهُ بالأرضِ لمسٌ بالعَصَا

فبَكَتْ وَجْدًا وقالت قولةً ... وهْي حَرَّى بلَغَتْ مِنّي المدى

ففؤادي قَرِحٌ (٢) من قولِها ... ما مِنَ الأدواءِ داءٌ كالعمى

وإذا نالَ العمَى ذا بَصَرٍ ... كان حيًّا مثلَ مَيْتٍ قد ثَوَى

وكأنّ الناعمَ المسرورَ لم ... يَكُ مسرورًا إذا لاحَ الرَّدى


(١) من هذا الشعر أربعة أبيات في تاريخ افتتاح الأندلس: ٥٩.
(٢) في النسخ: "قريح".

<<  <  ج: ص:  >  >>