للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قضائه وقيامًا بالعَدل في أحكامِه، لا تَأخُذُه في الله لَوْمةُ لائم، ثم تخَلَّى عنه وتجرَّد لِما كان بصدَدِه من التدريس ونَشْر العلم، وكان محرِّضًا على طَلَبِه بَرًّا بطَلَبتِه، معظِّمًا لشأنِه وأهلِه، ليِّنَ الجانب لهم ناصحًا في تعليمِه، متواضِعًا في أحوالِه، متبذِّلًا في لِبستِه، أكثرُ لِباسِه جُبّةُ صُوف لا شِعَارَ لها، يتَولَّى خدمتَه لنفسِه وشراءَ ما يحتاجُ إليه وحملَ خُبزه إلى الفُرن وسَوْقَه منه تحامُلًا وقَهْرَ نفْس.

وله "شَرحٌ" مفيدٌ على "مقاماتِ الحَريري" ومقالةٌ نبيلةٌ سمّاها: "رَوْضةَ الأديب في التفضيل بين المتنبِّي وحَبِيب" و"مقدِّمةٌ في العَروض" نافعة؛ وكان يَقرِضُ مُقَطَّعاتٍ من الشّعر يُجيدُ فيها، وبينَه وبينَ جماعة من أُدباءِ عصرِه مخاطَبات أدبيّة نظمًا ونَثْرًا تدُلُّ على متانةِ أدبِه. ومن نَظْمِه قولُه حين قُلِّد القضاءَ يتبرَّمُ منه [مجزوء الخفيف]:

كنتُ مذ كنتُ لم أَزَلْ ... كارهًا خُطَّةَ القضا

لم أُرِدها وإنّما ... ساقَها نَحْويَ القضا

وُلد سنةَ ثمانٍ وخمس مئة، وتوفِّي ضُحى يوم الثلاثاءِ لثلاثٍ خَلَوْنَ من ذي قَعدة، وقيل: من ذي حِجّة ثِنْتين، وقال ابنُ الأبار: ثلاثٍ وثمانينَ وخمس مئة. ودُفن ذلك اليومَ، وكان الحَفْلُ في جَنازته عظيمًا والثناءُ عليه جميلًا، [٤٩ ظ] ولم يَزلْ قبرُه مَزُورًا مَرْجُوَّ البرَكة، رضي اللهُ عنه (١).


(١) تقع هنا ترجمة من الترجمات المثبتة في هامش ح وهي:
"علي بن أحمد بن عليّ بن محمد بن أحمد بن محمد الخشني غرناطي بلوطي أصل السلف، وفحص البلوط بجهة قرطبة، أبو الحسن البلوطي. تلا بالسبع على أبي جعفر الطباع، وأبي عبد الملك بن إبراهيم الطائي مسمغور، وأبي الوليد العطار، وغيرهم. وقرأ جميع كتاب سيبويه تفقهًا على الأستاذ أبي اصحين علي بن محمد الكتامي بن الصاح، وقرأ عليه غيره من كتب العربية وتأدب به وعرض عليه فصيح ثعلب وغيره، واعتنى بالكتاب العزيز أتم اعتناء، وكان معلم كتّاب موصوفًا بحسن الخلق وكرم النفس مع القناعة والاقتصاد في شؤونه. كتب إلينا مجيزًا جميع ما يرويه، ومولده عام سبعة وأربعين وست مئة، وتوفي رحمه الله تعالى بغرناطة".

<<  <  ج: ص:  >  >>