للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَسَنَ اللَّوْذَعيّة، مُقرِئًا مجوِّدًا، متعلِّقًا برواية يسيرة من الحديث، متقدِّمًا في العربيّة والأدب، يَقرِضُ قِطعًا من الشّعرِ يُجيدُ فيها؛ عَكَفَ على إقراءِ القرآن وتدريس العربيّة والأدب نحوَ خمسينَ سنةً لم يتعرَّضْ لسواهُ ولا عَرَّجَ على غيرِه نزاهةً عن الأطماع وأَنفةً من التعلُّق بالدُّنيا وأهلِها، وكان مُبارَكَ التعليم فنَفَعَ اللهُ بصُحبتِه والأخذِ عنه خَلْقًا كثيرًا. وكتَبَ بخطِّه الرائق الكثيرَ، وأتقَنَ ضبطَه وتقييدَه، ونُقِلَ بأَخَرءة من مسجدِه الذي أقرَأَ به أكثرَ حياتِه إلى جامع العَدَبَّس، وكان يُعلِّمُ به ويَؤُمُّ في صَلَواتِه الجَهْريّة، وَيؤُمُّ القاضي أبو جعفر بنُ منظور في صلاتَي السِّرّ؛ أُنشِدت على شيخِنا أبي الحَسَن الرُّعَيْني رحمه الله عنه لنفسِه (١) [المجتث]:

ما جاءَ عفوًا فَخُذْهُ ... وما أبى فتجَنَّبْ

ولا تَرُدْ كلَّ مرعًى ... ولا تَرِدْ كلَّ مَشْرَبْ

فربّما لذَّ طعمٌ ... وفيه سَمٌّ مُقَشَّبْ

وبه (٢) [البسيط]:

لمّا أطَلَّتْ وشمسُ الأُفْقِ مشرقةٌ ... أبصَرتُ شمسَيْنِ من قُرْبٍ ومنْ بُعُدِ

من عادةِ الشّمسِ تُعْشِي عينَ ناظرِها ... وهذه نورُها يَشْفي منَ الرَّمَدِ


= وقال للأستاذ: والله يا سيدي لقد كذب هذا الوقح علي، فقال: يكفي ما كان، وإياك تطلب منه شيئًا آخر وتقول أيضاً: يا سيدي كذب علي، فضحك وانصرف خجلًا.
وكان يلزم مجلسه بعضُ الطلبة الأعيان، لهوى كان له في بعض الفتيان، فدخل على غفلة، فرفع الأستاذ رأسه وقال: ارجع إنه ما جاء اليوم؛ فخجل وعاد على حافرته، ومنعه ذلك من مخالطة الفتى ومجالسته. ثم لم تمر إلا أيام حتى قرئ بمجلس الأستاذ قول الشاعر:
وقد طَرقْت فتاةَ الحي مرتديًا ... بصاحب غير عزْهاةٍ ولا غزلِ
فقال ذلك الخجل: سيدي ما العزهاة؟ فقال الأستاذ: من ينفر عن محبوبه ولا يعود إليه. فقال: يا أستاذ، ما أدري ما أعمل، إن أقمت عتبت وإن تغيرت عيرت، فضحك الأستاذ وقال ما معناه: لولا هتك السرائر ما حفظت النوادر. (قلنا: القصتان في اختصار القدح، ١٥٥).
(١) برنامج الرعيني (٨٩).
(٢) انظر المغرب ١/ ٢٥٦، والرعيني (٨٩)، واختصار القدح (١٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>