للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَفَلَ إلى الأندَلُس فرَوى عنه آباءُ بكر: ابنُ رِزق والفَلَنْقيُّ وابنُ مؤمن، وأبَوا الحَسَن: ابنُ محمد بن عبد الوارث وابنُ الضَّحّاك واستجازَه لابنَيْه يحيى ومحمد، وآباءُ عبد الله: ابنُ حَمِيد ابن الصَّقْر وابن عَرُوس وابن الفَرَس وأبو العبّاس ابنُ الصَّقْر (١)، وأبَوا محمد: ابن عليّ بن خَلَف وعبدُ الصَّمد بن محمد بن يَعيش. وحدَّث عنهُ بالإجازة جماعةٌ منهم: أبو الحَسَن بن مُؤمن وأبو عبد الله بنُ عبد الرّحيم.

وكان من جِلّة المقرِئينَ المجوّدين، ذا حظٍّ وافر من روايةِ الحديث، زاهدًا فاضلًا خيِّرًا مأثورَ الكرامات، مشهورًا بإجابةِ الدَّعَوات، كريمَ الطِّباع سِريَّ الِهمّة، في غاية من التقشُّف والتخامُل والتزام سَنَنِ الصّالحين والجَرْي على مَناهجِهم والاقتفاءِ بسبيلِهم، والإكباب على ما يَعْنيهِ من تدريس العلم ونشرِه، قليلَ المُخالَطة للناس، وكان خَطيبًا بجامع غَرْناطةَ وصاحبَ الصّلاة به؛ وغَزَا بلادَ العدوِّ غَزَواتٍ كثيرةً على قدَميْهِ ابتغاءَ الأجر.

قال أبو عبد الله ابنُ الصَّقْر: سمِعتُه رحمه اللهُ يقول: كنتُ في إحدى (٢) الغَزَواتِ ونحن خارجونَ من بلدِ العدوِّ على مَقرُبة من بلد الإسلام في موضِع قَفْر، ومعي رَفيقٌ لي، وقد أدرَكَني من الضَّعف والإعياءِ ما لم أقدِرْ معَه على الحركة والمَشْي حتى سَقَطتُ على الأرض، فقال لي رفيقي: قُمْ فانهَضْ، فإنّ هذا موضع مَخُوف ولا نأمَنُ ما يلحَقُنا فيه من شُذَّاذ العَسْكر وسُفهائهم أو منَ اتّباعٍ يكونُ من النَّصارى لنا، فقلتُ له: لا أقدِرُ على ذلك بوَجْهٍ إلّا لو أكَلْتُ شيئًا من لحم، فقال لي رفيقي: أوَ مَوضعُ لحمٍ هذا؟ ومن أين يوجَد؟ فقلت: لعلّ اللهَ يُيسِّرُه لنا، فجَعَلَ صاحبي يلتفِتُ يمينًا وشمالًا خِيفةَ ما يَلحَقُنا ممّا ذَكَرَه، وبالقُرب منا صخرةٌ عظيمة، فنظَرَ إليها صاحبي فإذا عليها شيءٌ يضْطَربُ، فنَهَضَ إليها وإذا هي حَجَلةٌ قد نَشِبت في شيءٍ من الشّعْراءِ فلم تستطع التخَلُّصَ منه، فقَبَضَ عليها


(١) وابن عروس ... الصقر: سقطت من م ط.
(٢) في النسخ: "أحد" كأنه سبق قلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>