للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَوى عنه أبو القاسِم ابنُه وابنُ عَمِيرةَ (١)، وأبو الحَجّاج البَيّاسِيُّ، وأبو الحَسَن طاهرُ بن عليّ الشُّقْريّ، وآباءُ عبد الله: ابن أحمدَ ابن الطَّرَاوة وابن إبراهيمَ الكُتَاميُّ وابن عبد الله ابن الأبّار، وأبو العبّاس بنُ طلحةَ السّاعِديُّ، وأبو القاسم مُحيي الدِّين محمدُ بن محمد بن سُرَاقةَ، وأبو محمد بن بُرْطُلُّهْ.

وكان شاعرًا مُفْلِقاً مُجِيدًا سريعَ البديهة بارِعًا مَرْوِيًّا ومُرتَجلاً، كاتبًا بليغًا مُكثِرًا من نَظْم الكلام ونَثْرِه، حَسَنَ التصرُّف في فنونِه، لم يَشِنْ كلامَه قطُّ بتضمينِه ثَلْبَ أحدٍ ولا هَجْوَه، حافظًا لأيام العَرب وحديثِ رسُول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - وأخبارِ الصَّحابة، ذاكرًا للُّغة، فَكِهَ المُحاضَرة حُلوَ النادرة، معَ وَقارٍ وتَؤُدة، فسيحَ المجال في الآداب، يُقِرُّ له بالتقدُّم فيها بُلَغاءُ عصرِه.

قَدِمَ مَرّاكُشَ وامتَدحَ أُمراءها، وكان مبرورًا عندَهم معروفَ المكانة مُقرَّبًا لديهم مَقْضيَّ ما يَعرِضُ له من المآربِ قِبَلَهم، وله أمداحٌ في الأمراءِ بالأندَلُس.

وشِعرُه كثيرٌ مدوَّن وقَفْتُ عليه في مجلَّديْنِ ضَخْمينِ، و"مُعَشَّراتٌ غَزَليّة" و"مقصورةٌ" عارَضَ بها ابنَ دُرَيْد و "أُرجوزةٌ بديعة" عارَضَ بها أبا الحَسَن بن سِيدةَ على حروفِ المعجَم في ما اسمُك يا أخا العَرب، ومقالتُه المُسَمّاة: بـ "الرِّسالةِ الفَريدة والأُملُوحةِ المُفيدة" ضمَّنَها أبياتَ "الجُمَل" موطِّئًا لكلِّ بيتٍ منها بما يَستدعي معناه حتى يُدرجَه أثناء كلامِه، لم يُتقدَّمْ إلى مثلِها، وقَفْتُ عليها بخطِّه وشَرْحِها؛ وشُهِرَ عنه تجنُّبُه النَّظْمَ في الخَبَبِ من أنواع العَروض، فقال له السيِّدُ أبو عِمرانَ بنُ أبي عبد الله بن أبي يعقوبَ بن عبد المؤمن وقد حَضَرَ عندَه أوّلَ ساعاتِ الرَّوَاح إلى الجُمُعة (٢) [المتدارك]:

خُذْ في الأشعارِ على الخَبَبِ ... فنُكولُكَ عنهُ مِنَ العجَبِ

هذا وبَنو الآدابِ قَضَوْا ... بعُلوِّ مكانِكَ في الأدبِ


(١) في م ط: "عمرة"، محرف.
(٢) انظر تحفة القادم: ٤٥. ويبدو أن الموحدين كانوا يقترحون على الشعراء النظم على هذا البحر (وهو المتدارك)، ومن هذا اقتراح يعقوب بن المنصور على ابن حزمون، كما في المعجب (٣٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>