للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثمانينَ وخمس مئة، ومُخلِص الدِّين أبي الفَضْل يونُسَ بن محمد بن بُنْدارٍ الصُّوفيّ الدِّينَوَريِّ السَّبَئيّ. وحجّ، أُرى ذلك سنةَ سبع وسبعينَ، ولقِيَ هنالك أعلامًا فرَوى عنهم.

رَوى عنه ببَيْتِ المقدِس أخوه أبو زَيْد عبدُ الرّحمن، وأبو الحَسَن بن محمد بن خَرُوفٍ القُرطُبي (١).

وكان وَرِعًا زاهدًا، فاضلًا حافظًا الحديثَ، عارِفًا بالقراءات، إمامًا في النَّحو، حسن الخَطّ، شُهِرَ في بلادِ الشام بمتانةِ الدِّين وكمال الفضل؛ ولمّا افتَتحَ صلاحُ الدِّين بيْتَ المقدِس التمَسَ إمامًا يكونُ خطيبَه وصاحبَ الصلاة به، فأجمَعَ من حضَرَ هناك من العلماءِ والأفاضل المشار إليهم على أنه لا أحقَّ من أبي الحَسَن هذا بذلك المنصِب، فقدَّمَه لذلك، وإيّاه عندي عَنَى عمادُ الدِّين الأصبَهانيُّ ابن أَلُهٍ كاتبِ السُّلطان صلاح الدين رحمَهما اللهُ بقولِه في كتابه: "الفتح القُسِّي في الفَتْح القُدْسي" (٢): "ورَتَّبَ السُّلطانُ في قُبّةِ الصّخرة إمامًا من أَحسنِ القُرّاءِ تلاوةً، وأزينِهم طَلاوةً، وأنْداهم صَوْتًا، وأسماهم في الدِّيانةِ صِيتًا، وأعرَفِهم بالقراءاتِ السَّبع بل العَشْر، وأطيبِهم في العَرْفِ والنَّشْر، وأغناهُ وأقناه، وأولاهُ لِما وَلّاه، ووَقَفَ عليه دارًا وأرضًا وبُستانًا، وأسدَى إليه معروفًا دارًّ وإحسانًا"، وبقولِه في كتاب "البَرْق الشّامي": "وأقام السُّلطانُ بها إمامًا حسَنَ التّلاوة، حافظًا للقرآنِ جامعًا في القراءةِ للعُذوبة والحلاوة".

واستمرَّتْ حالُه كذلك معلومَ الجَلالة إلى أن توفِّي، فكانت جَنازتُه مشهودةً لم يَتخلَّفْ عنها كبيرُ أحد، حتّى إنّ النَّصارى الذين كانوا بالكنيسة [٩٥ ظ] هنالك اتَّبَعوا جَنازتَه ورَمَوْا بعضَ ثيابِهم على نَعْشِه، وأخَذَ بعضُهم يُناولُ بعضًا إياها ويمسَحُونَ بها على وجوهِهم تبرُّكًا بهِ رضي اللهُ عنه، وكانت وفاتُه


(١) هامش ح: "والزكي أبو محمد المنذري".
(٢) انظر الفتح القسي: ٦٥ (ط. ليدن).

<<  <  ج: ص:  >  >>